لقد شاع الاعتقاد في إسرائيل الآن، بأن ما من شيء سيوقف تنفيذ خطة إخلاء المستوطنين اليهود المقيمين في كل من قطاع غزة وأربع مناطق أخرى صغيرة في الضفة الغربية، إلا أحد الأمرين، اغتيال شارون أو موته موتاً طبيعياً. ذلك أن المستوطنين قد خسروا معركتهم السياسية الهادفة إلى وقف تنفيذ تلك الخطة. والسؤال المطروح الآن: وماذا بعد... فهل سيلجأ المستوطنون إلى القوة والعنف؟ وفيما يتصل بهذه المعركة السياسية، فقد تمكن شارون بذكائه وحنكته السياسيتين، من تأمين موافقة الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية على ميزانية العام الحالي 2005، قبل حلول الحادي والثلاثين من شهر مارس الماضي. وإذا ما تأخر شارون عن الحصول على إجازة الكنيست تلك، لكان عليه أن يستقيل من منصبه الحالي، مما سيفتح الباب أمام إجراء انتخابات عامة جديدة، مما يعني المزيد والمزيد من التأجيل على كافة الأصعدة. كما تمكن شارون أيضاً من سحق محاولة قام بها اليمين المتطرف لإخضاع خطة الانسحاب أحادي الجانب لاستفتاء شعبي.
وهكذا تمكن شارون من إزالة العقبات السياسية التي تعترض تنفيذ خطته، بموجب هذين الانتصارين الكبيرين اللذين حققهما. وبحسب "مجلس يشوع" الذي يمثل مستوطني الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن المعركة الآن قد تحولت إلى الشوارع. لذا فقد بات في اعتقاد الكثيرين من الإسرائيليين أن هذا التصريح لا يعني شيئاً آخر سوى العنف. وفي الاتجاه نفسه يعتقد آخرون أن هذا التصريح جاء مشبعاً برغبة إشعال فتيل الحرب الأهلية في إسرائيل. ومع أن تأويل هذه التصريحات كان مبالغاً فيه من ناحية الحذر الأمني، إلا أن أجهزة الأمن الإسرائيلي، أخذت منها على محمل الجد، الجانب الذي يمثل خطراً أمنياً مباشراً على شارون. كيف لا وقد شهد تاريخ النزاع الداخلي الإسرائيلي سابقاً اغتيال رئيس الوزراء الأسبق "إسحاق رابين"، على يد أحد المتطرفين اليمينيين في نوفمبر من عام 1995. وفيما لو لقي شارون المصير ذاته، فإن ذلك لا شك، سيكون وبالاً على إسرائيل، وكارثة على الفلسطينيين أيضاً، لكون اغتيال شارون سيستصحب معه خطر تقويض حلم إعلان الدولة الفلسطينية المستقلة. لكن ومع ذلك، يقرأ المرء بعض الشعارات السياسية النارية المكتوبة على جدران المستوطنات اليهودية في قطاع غزة، كتبت عليها عبارات مثل "رابين في انتظارك يا شارون" و"شارون الخائن"... وبالطبع العبارة التقليدية المأثورة هناك: "الموت للعرب".
ولتنفيذ خطة الانسحاب وإخلاء المستوطنات هذه، فقد جهزت الحكومة الإسرائيلية قوة كبيرة تقارب الـ 50 ألف جندي وشرطي، بمقابل ستة لكل واحد من المستوطنين. وسوف يتم نشر هذه القوات في سبعة معسكرات ستقام في حافة قطاع غزة، على أن تكون في كامل الاستعداد والتأهب للتدخل العسكري، فيما لو نشبت أية اضطرابات أمنية داخلية. وفي الوقت ذاته، جرى بناء سجن مريح للغاية –بما فيه توفير أسرة خاصة بالأطفال- لإيواء المعارضين لخطة الانسحاب، خلال الأسابيع القليلة الماضية. إلى ذلك يرى بعض المراقبين في اليسار الإسرائيلي، أن شارون قد تعمد اختلاق تلك المظاهر التهديدية الواضحة، أملاً في أن يبرهن للرئيس الأميركي جورج بوش-الذي ينوي زيارته في واشنطن خلال الشهر الجاري- أن الانسحاب من قطاع غزة وحده، تطلب قدراً كبيراً من الجرأة السياسية. وعليه فإنه لا مجال حتى لمجرد التفكير الآن، في الانسحاب الأكبر حجماً وخطورة من أراضي الضفة الغربية. يذكر أن استراتيجية شارون تقوم أصلاً على التضحية بمستوطنات القطاع –التي باتت المحافظة عليها أكثر خطراً وصعوبة تحت كل الأحوال- في مقابل الاحتفاظ بسيطرته على جزء واسع من أراضي الضفة الغربية. أما من جانب المستوطنين أنفسهم، فإنهم يبدون خوفاً وقلقاً من أن يمثل إخلاء مستوطنة يهودية واحدة فحسب، سابقة سياسية تفتح نافذة يصعب سدها، باتجاه التنازل اليهودي عن الأرض.
هذا ويبلغ عدد المستوطنين اليهود في قطاع غزة، نحو 8 آلاف يهودي أو حوالي 1500 عائلة تقريباً، تقطن في 21 مستوطنة. وبعض هذه الوحدات الاستيطانية كبير للغاية، مثل مستوطنة "غوش قطيف" وبعضها صغير جداً. لكنها تحتل مجتمعة، حوالي 35 في المئة من مساحة أفضل أراضي القطاع، بينما ترك الجزء المتبقي من الأرض للفلسطينيين الذين يبلغ تعدادهم نحو 1.5 مليون فلسطيني، يتزاحمون فيما تبقى من فتات الأرض. ويتوقع لغالبية المستوطنين اليهود أن يتسلموا حصة تعويضهم السخي، البالغ قدرها 300 ألف دولار أميركي لكل أسرة، ويغادرون بيوتهم وديارهم هناك في صمت وسلام. ولكن يصدر الخوف من تهديد العنف وخطره، من أقلية لا تزيد على بضع مئات من المتشددين والمتطرفين اليمينيين، تهدد بزراعة الألغام الأرضية في المداخل المؤدية إلى القطاع، وكذلك بإغلاق الطرق والتمترس داخل بيوتهم، والتهديد بتنفيذ عمليات انتحار جماعي، فيما لو ألحت عليهم السلطات بمغادرة بيوتهم ومستوطناتهم.
ولتفادي نشوب نزاع مسلح مع هؤلاء، تخطط السلطات الإسرائيلية لإرسال جنود وقوات شرطة غير مسلحين، إلى داخل المستوطنات، أ