أثناء الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة تتعاون مع أكثر الدول المهددة في الوقوع في حضن ما كان يسمى بالمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي المنهار، وعملت جاهدة كي تحافظ على حبل الوصال مع هذه الدول. أما بعد أن وقع العالم في دائرة القطب الواحد، فلم تعد الولايات المتحدة تخاف أو تأبه لمواقف هذه الدول لا بل هي تقول لكل من يحاول أن يتعارض مع مواقفها: هذا ما نريده وإلا نقلب الطاولة على رؤوسكم. هذا ما حدث لنظام صدام حسين وبنفس الطريقة تتعاطى واشنطن مع النظام السوري والإيراني والكوري الشمالي والكوبي والفنزويلي وكل من تخالجه فكرة الخروج عن طاعتها. لقد تحول القطب الواحد إلى "البلدوزر" الذي يزين نفسه بأعلام الحرية والديمقراطية ومحاربة العداء للسامية، بينما يحاول بضجيجه إسكات كل صوت يحاول أن يعلو على ضجيجه، مهدداً بدهس كل من يقف بوجهه. إن الدول العربية التي لم تخرج عن طاعة القطب الأوحد، وكذلك أو من كان نصف مطيع أو من خرج من دائرة هذه الطاعة نتيجة لانحياز الولايات المتحدة بالكامل إلى إسرائيل ودعم تعديها على الأرض العربية وتدخلها في تخريب الأمن في بعضها وإجهاضها للعملية السلمية قد تساوت أمام الغطرسة الأميركية في التهديد والوعيد وفرض التغيير فيها وإملاء مواقفها عليها.
وبهذا رأينا، أخيراً، أن مواقف الدول العربية ومقررات الجامعة العربية التي انعقدت في تونس جاءت هامشية، هزيلة كما كانت منذ نشوئها لأن هذه الدول اعتادت أن تساق سوقاً إلى الحروب إن أرادتها الولايات المتحدة وكذلك تساق سوقاً إلى السلام الذي تريده هي وكما تراه وما يتلاقى مع التعاقد الاستراتيجي "الإسرائيلي - أميركي" القائم في الشرق الأوسط خصوصاً والدولي عموماً. وقد ساعد الموقف العربي الممزق على هامشية الدور العربي والموقف العربي إن كان على صعيد الأحداث والتطورات في الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي أو على الصعيد الدولي وتقوقع هذه الدول وعزلتها عن مسرح الأحداث الدولية حيث خسرت حتى دور المراقب لسير هذه الأحداث.
شوقي أبو عيَّاش- الشوف- لبنان