ما خرج نظام الحكم القائم في السودان من أزمة أو مشكلة مع النظام العالمي إلا ودخل في مواجهة أو أزمة أخرى، وقد تكون آخر هذه المواجهات أخطرها وأكثرها مباشرة المواجهة أو الأزمة الحالية التي جاءت بعد صدور قرار مجلس الأمن الأخير بشأن السودان، والذي قرر فيه المجلس المضي قدماً في تقديم (51) من قادة النظام للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وتهم هذه المجموعة هي أنها قامت بأفعال تقع تحت طائلة جرائم الحرب المتعارف عليها دولياً وذلك بالنسبة لما حدث في دارفور على امتداد أكثر من عام.
ما أن أعلن قرار مجلس الأمن إلا وبدأت الحكومة حملة عنيفة ضد المجلس وقراره وضد الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا بوصفهما أكثر أعضاء المجلس حماسة لاتخاذ ذلك القرار. وبلغ الأمر مداه عندما دعا رئيس الجمهورية مجلس الشورى الخاص بالحزب الحاكم وأعلن عليهم قسماً بالله وردده ثلاثا بأنه لن يسمح بمحاكمة أي مواطن سوداني خارج السودان. ثم كان الاستنفار الشامل عبر كل وسائل الإعلام المتاحة للحكومة للخروج في مظاهرات سميت مظاهرات الغضب.
إن تصعيد المواجهة الذي نتج عن قسَم الرئيس وما تبع ذلك من إجراءات أحدث أزمة في الحكم وتوتراً سياسياً عاماً وخوفاً من أن يؤدي ذلك التصعيد في مواجهة مجلس الأمن إلى مضاعفات خطيرة يكتوي بها السودان كله. وقد تعدت التكهنات وكثرت حول كيف ومتى يكون رد مجلس الأمن على رفض قراره بذلك الأسلوب. وكان ممثل الأمم المتحدة ومندوب الأمين العام للمنظمة في السودان "إيان برونك" قد قدم النصح للحكومة وذكرها بأن قرار مجلس الأمن اتخذ على أعلى المستويات، وأنه ليس من الحكمة أن تقف الحكومة ضد مجلس الأمن.
ويلاحظ بعض المراقبين أن مسؤولين كبار في النظام لم يشاركوا في الحملة الإعلامية عالية الصوت ضد مجلس الأمن وواشنطن واكتفوا بالصمت. ويفسر البعض أن هذا النفر ربما وصل إلى علمه أنه غير مشمول في قائمة المتهمين الواحد والخمسين، إلا أن السودان كله يتطلع لمعرفة تلك الأسماء.
إن نظام الإنقاذ في مواجهة أزمته الحالية الحادة، يبحث عن حلول داخلية وأخرى خارجية ومنها الاستعانة بجامعة الدول العربية لدعمه في خط رفض قرار مجلس الأمن بصورة أو بأخرى. ولكن ما اتضح حتى الآن هو أن المنظمة العربية ليست في موقف من يستطيع تأييد السودان في قراره، وقد ظهر ذلك جليا في تصريح للامين العام للجامعة العربية صدر بعد قرار مجلس الأمن ويوشك أن يقول فيه للخرطوم إن عليها أن تقبل بقرار مجلس الأمن وتنفذه. أما داخلياً فإن جماعة "الإنقاذ" لجأوا إلى خطوة طالما رفضوها من قبل وهي دعوة كل المعارضين من القوى السياسية للوقوف مع الحكومة في رفضها للقرار، بحجة أنه قرار يمس السيادة الوطنية وما إلى ذلك. ولا يبدو أن تلك الدعوة ستلقى قبولاً جاداً من كل المعارضين. إنها مرحلة عصيبة ودقيقة يمر بها نظام الحكم، بل ومستقبل السودان بأكمله ومن الصعب التكهن الدقيق بما سيؤول إليه الغد... فقد يكون الإطاحة بالحكومة أو زعزعتها بصورة لم يسبق لها مثيل... وقد يكون الأمر غير هذا تماماً.