غالباً ما تكون الكتابة عن مجلس التعاون، قبيل القمة السنوية للمجلس أو أثناءها أو بعيد انتهائها، والمجلس يفترض أنه مسيرة وليس قمة فقط، وعليه فإن من الضروري تناول همومه ومسيرته في كل الأوقات.
الأمانة العامة - ممثلة بأمينها العام عبدالرحمن العطية- وجهت دعوة قبل أسابيع لمجموعة من المهتمين الخليجيين بالشأن العام لمناقشة مسيرة المجلس، وكانت لفتة ذكية من الأمين العام الدبلوماسي المخضرم الذي أثبت مهنية مميزة أثناء فترة أمانته الأولى، وتم التجديد له في القمة الماضية لفترة ثانية كشهادة إثبات على تفاني الرجل وشمولية نظرته وحياديته. الجميل في تلك الندوة أنها احتجبت عن وسائل الإعلام، فقال المشاركون ما لا يمكن أن يقال أمام الإعلام بكل حرية وصراحة.
الندوة التي استغرقت يوما كاملا بحضور أعضاء من الهيئة الاستشارية تناول فيها المشاركون مسيرة المجلس بكل شفافية وصدق، وخرجت بانطباعات عن ضرورة ممارسة أعلى درجة من الشفافية والمصارحة بين دول المجلس، وبأن العنصر الأهم في مسألة الصراحة والمصارحة هو بوجود برلمان خليجي يتم تناول المسائل "العالقة" فيه أمام الناس بدلا من ترك الأمور للتكهنات وللصيادين في الماء العكر.
أتتنا أخبار الكواليس بتفاقم الخلاف القطري- السعودي، ولا تعلم شعوب المنطقة عن تفاصيل هذا الخلاف ودقائقه للوقوف عليه وبالتالي المساهمة - ربما- في حلحلته وتلافيه، كما تلاشت أخبار الخلاف السعودي- البحريني حول توقيع البحرين اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، ولا تدري شعوب المنطقة إن كان تلاشي الأخبار هذا مرده انتهاء الخلاف أم انتظار القمة القادمة لتفجيره ثانية، فلم يصرح أحد – حتى الآن- عن الموقف الخليجي الرسمي من هذه الاتفاقات، وخاصة أن أخبار الكواليس تتحدث عن أن محادثات لتوقيع اتفاقية مماثلة بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية قد قطعت شوطا طويلا، وبأنها في مراحلها النهائية.
الولايات المتحدة ترفض التعامل مع دول المجلس على أنها وحدة واحدة في مسألة توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، وتصر على التعامل مع دول المجلس فرادى، والموقف الأميركي ينطلق من أن دول المجلس غير متوافقة فيما بينها في مسائل اقتصادية كثيرة، لعل أبرزها تعثر تنفيذ اتفاقية التعريفة الجمركية الموحدة، وليست هي الاتفاقية الوحيدة التي لم ترَ نور التنفيذ، فكثير من القرارات التعاونية قد تم إقرارها في القمم ولكنها اصطدمت بجدران اللاتنفيذ، وبالتالي فإن السؤال هو: ما الذي يمكن أن يحدث لو لم تنفذ الجهات التنفيذية المعنية قرارات القمم؟ والجواب هو: لا شيء، أي أنه لم تتم محاسبة جهة أو مسؤول في دول المجلس منذ إنشائه حتى يومنا هذا على عدم تنفيذ قرار ما اتخذته القمة. ومن هنا فإن الحاجة ملحة اليوم إلى أن تكون هناك مرجعية شعبية خليجية، ولتكن في البداية بالتعيين الجزئي، ثم بالانتخاب الكلي، وأن تكون مهمتها تناول قرارات القمم ومتابعة آلية تنفيذها، ولتكن أدواتها في البداية إعلامية معنوية، ثم تتحول إلى محاسبات بآلية برلمانية.
صحيح أن مثل هذا المقترح يعد نوعا من "الرومانسية" في ظل غياب الديمقراطية الحقيقية في دول المجلس كافة، ولكن هل يمكن أن تكون هناك قرارات لا تنفذ، وشعوب تتفرج، ومسيرة تتعثر، ولا حسيب ولا رقيب على قرارات مجلس مضى على إنشائه ربع قرن؟
مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى آليات معاصرة تتواءم والتطورات العالمية، وأهم آلية يحتاجها المجلس من أجل تنفيذ قرارات قممه وتفعيلها، هي الرقابة الشعبية التي يمكن أن تسلط الضوء على من يتلكأ في تفعيل القرارات وتنفيذها، وما لم يتم إنشاء آليات جديدة للتنفيذ، فإننا قد نصحو يوما لنجد المجلس كالجامعة العربية، أو مجلس التعاون العربي المرحوم، أو اتحاد دول المغرب المقبور.