في يوم 12/11/1935 أعلن الشيخ عز الدين القسام الذي تسمى الجناح العسكري لحركة حماس باسمه ثورته منذ 69 سنة مضت وقد اتصفت جنازته يومذاك بحمل الأعلام المصرية والعراقية والسعودية واليمنية والسورية إذ كان الشهيد القسام يجسّد عروبة القضية الفلسطينية. لقد أدرك الشيخ القسام أن تغييرات مهمة حدثت في الحركة الوطنية الفلسطينية، وأبرزها ذلك الارتباط العضوي بين الاستعمار البريطاني صاحب وعد "بلفور" وتأسيس الوطن القومي اليهودي في فلسطين وبين الصهيونية التي أصبح لديها في العام 1915 أكثر من 40 مستعمرة زراعية فيها أكثر من 12 ألفا من اليهود الذين بلغ عددهم يومذاك أكثر من 90 ألفاً يسكن حوالي نصفهم في القدس.
آمن القسام يومذاك بعد أن اشترك- وهو السوري من مواليد جبلة 1882- 1935- في ثورة جبال صهيون ثم في ثورة الشيخ صالح العلي(1920-1921 )ضد الاستعمار الفرنسي، أن مهمة رجل الدين ليست تعليم الفروض والعبادات فقط، بل تعليم الوطنية والقومية ومقاومة الاستعمار. وقد سلك مسلك رجل الدين المجاهد العملي حين قاد مظاهرة طافت شوارع جبلة تأييداً للعرب الليبيين يوم هاجم الإيطاليون ليبيا. وقد دعا القسام الناس إلى التطوع لمقاتلة الإيطاليين.
سافر القسام مع ستة من مجاهديه إلى حيفا في فلسطين- بعد أن رفضت السلطات العثمانية سفره وجماعته إلى ليبيا- وهناك منحه الشعب العربي الفلسطيني منصب التدريس الديني والخطابة والإمامة والإذن الشرعي. وقد سهل ذلك على الشيخ: التعرف إلى الناس وإدراك أن الثورة المسلحة تحتاج إلى تخطيط سياسي وعسكري دقيق. لهذا رفض أن يبدأ تنظيمه الثورة بعد حادثة البراق في العام 1929 لاقتناعه أن الوقت لم يحن بعد لذلك. وكان يعتقد أن الشعب سيشارك في نفقات التدريب والتسليح بعد أن يعلن القسام عن الثورة. وكان القسام واثقاً من أن الشعب سيمده بالنفقات المطلوبة بعد أن يطلع الناس على أهداف الثورة ويشاهدوا انتصاراتها وإنجازاتها.
ولم يكن ذلك كله بغائب عن الاستعمار البريطاني فقد سبقت الشيخ أعماله الثورية ضد القوات الفرنسية المستعمرة لسوريا، ذلك الاستعمار الذي طلب من زميله البريطاني أن يقبض على الشيخ وأن يسلمه إياه فهو محكوم بالإعدام من الديوان العرفي باللاذقية. ولذلك عقد الشيخ مع منظمته في حيفا آخر اجتماع لهم في 12/11/1935 وقرروا أن تبدأ الثورة في الجبال.
كشف الاستعمار البريطاني أمر القسام وجماعته، فأرسل إليهم قوات كبيرة اشتبكت معهم في أحراج "يعبد" في منطقة جنين- وكانت المعركة غير متكافئة دامت 6 ساعات وقتل فيها من القوات البريطانية أكثر من 15 واستشهد عز الدين القسام مع نفر من جماعته. وكانت المنظمة التي قصد إلى تشكيلها الشيخ القسام من أخطر المنظمات العربية السرية ضد الاستعمار والصهيونية وأدقها تنظيماً، لذلك عرف الشيخ القسام بكتمانه كل ما يتعلق بمنظمته. وكان مشهوراً بالروية حتى استطاع أن يؤسس عصبة تكون نواة للثورة ضد الاستعمار والصهيونية. وكان يشترط للانضمام إلى تلك العصبة شرطين هما: أن يقتني العضو السلاح على حسابه الخاص، وأن يتبرع بما يستطيع من جهد ومال لهذه المنظمة.
وقد ذكر الكثيرون من معارف الشيخ القسام أنه كان يناقش المثقفين وأنصار الأساليب السلمية ويقنعهم بالعمل لإنقاذ فلسطين مما يهددها من أخطار وبتلك الرابطة العضوية بين الاستعمار البريطاني والصهيونية. وكان سبيله إلى ذلك الدعوة إلى اتحاد الكلمة ولمّ الشعث ورصّ الصفوف وبثّ الروح القومية والوطنية في النفوس والأفكار. لهذا كانت منظمته على شكل حلقات صغيرة تتألف من رقيب وخمسة أفراد فقط. ولم يكن أفراد الحلقة يعرفون أفراد الحلقات الأخرى. وشكل القسام مجموعات متخصصة بالتدريب العسكري وجباية الأموال والاتصالات الشعبية وشراء الأسلحة والتجسس والدعاية للثورة القائمة على أساس الجهاد في سبيل الله والوطن.