من شاهد الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمره الصحفي الذي عقده للتعليق على ما جاء في تقرير لجنة التحقيق المستقلة حول فضيحة الفساد المرتبطة ببرنامج النفط مقابل الغذاء يلاحظ علامات الارتياح التي بدت على وجهه بعدما كان متخوفاً من الإشارة إليه من قريب أو بعيد أو بشكل مباشر، وإن تمنى لو أنه أيضاً لم يشر إلى ابنه بصفته أحد المهتمين بالتدخل المباشر في استخدام نفوذه من أجل منح العقود لبعض الشركات التي تربطه بها شراكة، خاصة في إطار برنامج "النفط مقابل الغذاء". إلا أن ما استوقفني هو جواب السيد عنان على سؤال لأحد الصحفيين فيما إذا كان ينوي الاستقالة من منصبه، فأجاب لا. وهذا الجواب ربما يتعارض مع ما يدعيه سيادة الأمين العام من نزاهة وموضوعية واتزان، لأنه ومهما كان الأمر فإن كوفي عنان مسؤول، بشكل أو بآخر، عن تلك الفضيحة، لأسباب أهمها، أولاً: لأنه هو المفترض أن يكون القيّم على ذلك البرنامج وبالتالي أي أخطاء أو تجاوزات يكون مسؤولاً عنها على الأقل أخلاقياً.
ثانياً: لأنه أحد المشتبه فيهم وعليه فإنه لا يستبعد أن يشكل تواجده على رأس الأمانة العامة التي تتبع لها لجنة تحقيق "فولكر" ضغطاً على المسؤولين عن ذلك التحقيق، خاصة أن اللجنة نفسها اتهمته بالتقاعس عن التأكد بشكل كافٍ من عدم وجود تضارب مصالح في علاقات ابنه بتلك الشركة.
أم لأن كل أموال الشعب العراقي كانت مهدرة منذ أن صوت مجلس الأمن على العقوبات الاقتصادية، وعليه فلن يكون هناك من يضغط باتجاه كشف الحقيقة كاملة وتعويض العراق بجزء من تعويضاته التي صرف أغلبها من دون وجه حق بمباركة من الأمم المتحدة؟ وكم أرجو أن أكون مخطئاً لأن كل شعوب العالم وخاصة الشعوب العربية غسلت يدها من مسألة موضوعية ونزاهة مجلس الأمن، وهي بالتأكيد لا تريد أن تتخذ نفس الموقف من هيئة يُفترض أنها أممية، وتتمتع بمصداقية لدى الرأي العام العالمي بسبب تساوي الأصوات فيها، وعدم وجود ما يسمى بحق النقض "الفيتو" من ضمن قوانينها في التصويت، ومواقفها المشرفة من القضايا العربية.
إلا أنني أتمنى أن تكون استقالته لا تندرج في إطار الضغط الأميركي لأن ذلك يفقدها جزءاً كبيراً من بريقها، لأننا جميعاً نعلم أن تلك الضغوط ليس دافعها الأمانة ولا احترام الهيئة التي طالما أهانتها واعتبرتها مرتعاً للفساد بسبب وقوفها ضد أغلب مطالب الإدارات الأميركية المتعاقبة وإسرائيل، وآخرها ما جاء على لسان نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية بأن تجاوز أميركا لقواعد تطبيق قرار النفط مقابل الغذاء في حالتي تركيا والأردن كان خدمة لمصلحتها القومية.
بتار ولد محمد المختار - موريتانيا