عولمة الديمقراطية تحدٍّ جديد يواجهه العالم، فالديمقراطية التي ظهرت كنظام حكم استمدت فكرته من أوروبا الغربية كان بهدف النهوض في أوروبا عبر تبني النظام الرأسمالي. أما عولمة الديمقراطية التي بدأت تقلقنا فهي حدة تنامي ظاهرة الانقسامات العرقية والدينية تحت عباءة الديمقراطية. فعلى سبيل المثال حزب الأمة في الكويت ذو الملامح الدينية طرح أفكاره التي كان من أهمها موضوع العدالة وإذا بنا نفاجأ برئيس حزب الأمة يتحدث عن تمثيل قبيلة ظفير في الحكومة.
تصاعد القبلية والطائفية في الكويت ظاهرة خطيرة وقد تتطور على حساب الديمقراطية وتتحول القبيلة والطائفة إلى معول هدم للنموذج الكويتي. قوى الإسلام السياسي وخصوصا حركة الإخوان المسلمين أدركت الأمر منذ نشأتها ووجهت اهتمامها لأبناء القبائل واستطاعت أن توسع صفوفها بينهم، وفي نفس الوقت نجحت القبيلة في الاستفادة من الإسلام ورفعت شعار الإسلام لتحقيق مصالحها القبلية.
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا تفرغ الديمقراطية من معناها وتصبح أداة لفرض سيطرة الأكثرية على الأقلية؟ النموذج الكويتي يشكل إحدى صور انحراف الديمقراطية وتحولها كأداة سلطوية، والسؤال هو لماذا لم تتطور الديمقراطية في دولة مثل الكويت التي بدأت تجربتها بعد استقلالها في بداية الستينيات من القرن المنصرم، ولماذا استمرت الديمقراطية تشكل قلقاً للنظام السياسي؟ من المؤكد أن الديمقراطية الكويتية ولدت في بيئة إقليمية مناهضة لثقافة المشاركة السياسية مما جعلها تتعثر. ولم تكن الديمقراطية فكرة محببة لدى النظام الحاكم ما دفعه مرات عديدة للتفكير في الإجهاز عليها، إلا أن الحكم أدرك صعوبة ذلك فبدأت مسيرة تشويه النموذج الكويتي عبر استخدام النفوذ الاقتصادي والذي تسبب في تعثر الديمقراطية الكويتية.
الأوضاع تبدلت بعد حرب العراق وأصبح موضوع الديمقراطية هاجساً عالمياً وكان بإمكان الكويت أن تتحول تجربتها إلى نموذج ناجح من الممكن تبنيه على المستوى العالمي بدلا من المخاطرة في العراق. واضح أن أحد أهم مظاهر النظام العالمي الجديد أو ما يطلق عليه العولمة وخصوصا بعد انتهاء الحرب الباردة أن هناك تلاحماً بين الطائفية والديمقراطية. فالديمقراطية شجعت الأقليات والمجموعات العرقية والدينية على لبس عباءة الديمقراطية.
فحزب الأمة تكوينه قبلي ومطالبه تعكس طموحات أبناء القبيلة. وكذلك الراديكالية الإسلامية التي وجدت في القبيلة قوة دافعة نحو تحقيق مطالبها. جميع المؤشرات تؤكد أن المنطقة سواء الخليجية أو العربية مقبلة على أزمة كبيرة وأنه لا يمكن الخروج من هذه الأزمة إلا من خلال إعادة تقييم مسيرة الماضي وإدراك الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها نظم الحكم العربية. تجاهل الواقع وإغفال الحقائق سيقود المنطقة إلى انفجارات اجتماعية لا تحمد عقباها.
المخرج العقلاني يتجسد في طرح مفهوم المواطنة، المفهوم الذي يصهر الجميع تحت مظلة الوطن ويحصل الجميع على فرص متكافئة، إلا أن الأمر لا يسير وفق العقل والمنطق ومازالت أنظمة الحكم سواء الخليجية أو العربية غير قادرة على إدراك طبيعة التغيير الذي بدأ يعصف بالمنطقة بأكملها. الظروف الراهنة تفرض علينا مواجهة الواقع وإلا فإن الآتي أعظم وخصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار ما يحدث في لبنان وسوريا ومصر وما علينا إلا أن ندرك أن الاعتراف بالخطأ فضيلة قد تجنبنا مخاطر آتية.