ما من شك في أن الضجة التي أثيرت حول الوجود السوري في لبنان وقد اختير لها توقيت محدد وتحرك داخلي لبناني موجه، هي صناعة أميركية أصيلة جاءت لحساب السياسة الأميركية في المنطقة وتكملة لما باشرته في العراق وتقف وراءه في فلسطين. فالمرء لا يتحاج إلى ذكاء كبير لكي يدرك أن سياسة "القوس الناري" المحيط بالعرب ثم نقل النار إلى داخل القوس، قد دخلت مراحلها الأخيرة الآن، بعد أن رسم ملامحها في سبعينيات القرن الماضي وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر وطبقتها الإدارات الجمهورية والديمقراطية المتعاقبة في واشنطن. لقد كان ومازال المنهج الأميركي في تفتيت القضية الفلسطينية وتحجيمها صنوا لمنهج التعامل مع العرب بأسلوب المشاغلة وتشتيت الانتباه؛ فما أن انتهت الولايات المتحدة من حربها على العراق ومحاولاتها الجارية لتكريس احتلاله، حتى بدأت تفتح ملفا تلو الآخر لسوريا التي لم تظهر تأييدا لتلك "الحرب الظالمة"، ورفضت التطبيع المجاني مع إسرائيل، ووفرت الدعم والإمداد لـ"حزب الله" الذي أذاق الجيش الإسرائيلي أول هزيمة مُرة في تاريخه. فما الذي تغير بين الأمس عندما أعطت الولايات المتحدة موافقتها الكاملة على الدور السوري في لبنان وبين اليوم حيث تحتل الولايات المتحدة بلدا هو العراق وتهدد باحتلال بلدان أخرى؟! ما من تغير سوى أن سياسة الوفاق الحذر، وهي سياسة أميركية تجاه بعض الدول، قد انتهى عهدها الآن لتحل محلها سياسة الإخضاع والرضوخ وليس سواهما! لذلك فليحذر محازبو أميركا في لبنان من أن يستبدلوا "صاحب سوط بصاحب سوط"! ولعل أول العلامات لذلك أنهم صوروا الوجود السوري كاحتلال للبنان، لينسى العالم الاحتلال الأميركي للعراق!.
عمر حماد - سوريا