في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، اكتشف مجموعة من العلماء الألمان نوعا من البكتيريا يعيش في بطانة المعدة، ولكنهم فشلوا في زراعتها في أطباق المعمل، وسرعان ما طوى النسيان هذا الاكتشاف. وبعد مرور أكثر من قرن وبالتحديد في عام 1982، قام عالمان استراليان هما روبن وارن (Robin Warren) وباري مارشال (Barry Marshall) بإعادة اكتشاف هذه البكتيريا المستوطنة للغشاء المخاطي المبطن للمعدة، ونجحا أيضا في زراعتها في المعمل. وفي لحظة من لحظات العبقرية البشرية، طرح العالمان الأستراليان فكرة مسؤولية هذه البكتيريا عن التهابات المعدة وتقرحها، وهما المرضان اللذان كان يعتقد سابقا أنهما ينتجان من التوتر أو من تناول كميات كبيرة من الأطعمة الحارة ومن التوابل. هذا الطرح الجريء والمخالف للحكمة الطبية السائدة حينها، لم يتحمس المجتمع الطبي لتقبله، أو البحث في صحته أو خطئه، على أساس أن المنطق العلمي لم يكن ليتقبل استطاعة أي نوع من البكتيريا البقاء والعيش لفترة طويلة في الوسط شديد الحموضة داخل المعدة. وبعد المزيد من الدراسات والتجارب، قام "باري مارشال" في إحداها بتجرع أنبوبة اختبار ممتلئة بالبكتيريا ليصاب بالتهاب المعدة، ومن ثم ليعالج نفسه بالمضادات الحيوية، بدأ الوسط الطبي تقبل هذا الاكتشاف والعمل على تمحيص جوانبه المختلفة. وفي عام 1994، وبعد اثني عشر عاما من الاكتشاف الأولي، أقر المعهد القومي الأميركي للصحة (National Institute of Health) بأن معظم حالات القرحة المعدية المتكررة هي نتيجة للإصابة بنوع من البكتيريا، أصبح يطلق عليه اختصاراً "إتش بايلوري" (H. Pylori) ونصح علماء المعهد بضرورة استخدام المضادات الحيوية كجزء أساسي من العلاج.
وتنتشر العدوى بهذه البكتيريا إلى حد كبير، وتترافق نسب الإصابة مع العمر. فمثلا تبلغ معدلات الإصابة عشرين في المئة بين من وصلوا إلى سن العشرين، وثلاثين في المئة بين من وصولوا إلى سن الثلاثين، وترتفع نسبة الإصابة لتبلغ ثمانين في المئة لمن وصلوا إلى سن الثمانين. هذه الأرقام تعبر عن معدلات الإصابة في الدول الغربية، ويعتقد أن معدلات الإصابة تزيد على ذلك بين أفراد شعوب الدول النامية. وتحدث الإصابة ببكتيريا "إتش بايلوري" عن طريق الطعام أو الاتصال البشري أو مشاركة أدوات الطعام. ولا تنتج القرحة بسبب العدوى بهذه البكتيريا إلا في حالات قليلة، بينما تظهر أعراضها في الغالبية العظمى على عسر هضم أو مغص أو التهاب في المعدة. هذه الحقائق جميعها تسببت في تحول تام في كيفية التعامل مع قرح الجهاز الهضمي، وفي فهم وإدراك دور البكتيريا في الإصابة بها. فمثلا، كانت القرح الهضمية تعالج سابقا من خلال عقاقير وأدوية، تعمل على معادلة أو خفض إنتاج الحامض المعدي. ورغم أن هذه العقاقير كانت تنجح في دورها إلى حد كبير، إلا أن القرح غالبا ما كانت تعود مرة أخرى. أحد العقاقير الفعالة في هذا المجال، والذي كان يستخدم على نطاق واسع هو عقار البيزمث (Bismuth Subsalicylate) ولكن بسبب جهل الأطباء بطريقة عمله وكيفية علاجه للقرحة، سرعان ما أهمل وقل استخدامه من قبل المرضى والأطباء. ولكن حاليا، وبعد إدراك دور البكتيريا في الإصابة بالقرحة، أدرك الأطباء أن "البيزمث" كان يكوّن ملحا في المعدة، يعمل كمضاد حيوي ضد البكتيريا، وهو ما أدى إلى عودة هذا العقار على روشتة مرضى القرح الهضمية.
وبوجه عام تقسم القرح الهضمية (peptic ulcers) إلى نوعين: القرح التي تصيب بطانة أو جدار المعدة، والقرح التي تصيب جدار الإثني عشر، وهو المنطقة الواقعة بين المعدة وبين الأمعاء. ورغم أن غالبية هذه القرح تنتج عن بكتيريا "إتش بايلوري"، إلا أنها قد تنتج أيضا عن تناول بعض الأدوية والعقاقير مثل الأسبرين أو مضادات الالتهاب غير الإسترويدية. وتظهر أعراض القرحة الهضمية على شكل مغص وآلام في البطن، وفقدان الوزن، وأحيانا وجود دم في القيء أو في البراز. وفي بعض الأحوال النادرة، تتفاقم القرحة للتحول إلى ثقب في جدار المعدة أو الإثني عشر، وهو ما يؤدي إلى إصابة المريض بآلام حادة ومبرحة، تتطلب التدخل الجراحي الطارئ. وتحوم الشكوك في إصابة المريض بالقرحة الهضمية، إذا ما كان يعاني سابقا من نوبات من الحرقة في فم المعدة أو من الارتجاع المريء والتي يصفها العامة بالحموضة، أو إذا كان المريض يستخدم أحد أنواع العقاقير المعروف عنها تسببها في الإصابة بالقرحة الهضمية. وتتزايد الشكوك في الإصابة بالقرحة المعدية، إذا ما كان المريض قد تخطى سن الخامسة والأربعين، وظل يعاني من الأعراض السابقة لفترة أكثر من أسبوعين، وهو ما يتطلب التشخيص الطبي العاجل من خلال المنظار الهضمي. وكما خضعت أسباب القرح الهضمية لتغير جذري في المفهوم، تعرضت أيضا أعراض وعلامات هذا المرض لإعادة في التفكير وفي التقييم. ففي الماضي القريب، كان يعتقد أنه يمكن التفرقة بين قرحة المعدة وقرحة الإثنى عشر من خلال توقيت الشعور بالآلام مقارنة بتوقيت تناول الطعام. ففي القرحة المعد