كانت لمشاركة عدد من الرؤساء والوزراء والقادة الدينيين المسلمين في تشييع جنازة البابا يوحنا بولس الثاني رئيس الكنيسة الكاثوليكية، صداها في أجهزة الإعلام الأوروبية والأميركية. وأثارت تلك المشاركة تعليقات شتى وجددت الحديث مرة أخرى عن العلاقة بين أتباع أكبر ديانتين سماويتين الإسلام والمسيحية... ومن نافلة القول إن البابا يوحنا بولس الثاني في حياته ومسيرته البابوية قد خلف أثراً في الحياة الدولية معترفاً به.. وقد كانت العلاقات الإسلامية المسيحية إحدى دوائر اهتماماته التي بدأ فيها مجهوداً لم يستكمل بعد. وقد كان لمواقفه المعلنة والشجاعة تجاه قضية الشعب الفلسطيني ودفاعه المستمر عن حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة ومناصرته لحقوقهم الإنسانية أثرها وصداها ليس لدى الفلسطينيين والعرب فحسب، ولكن على امتداد العالم الإسلامي.. والبابا الذي سيذكر في التاريخ بأنه كان نصيراً للسلام وداعيته كان مناهضاً للحرب الأميركية على العراق، وكان أيضاً داعية للعدل مهموماً ومشغولاً بقضية الفقر في بلدان العالم الثالث، وكثيراً ما دعا "أغنياء العالم" إلى أن ينظروا إلى الفقر باعتباره شراً يجب أن تتضافر جهود الإنسانية لإزالة وصمته عن جبينها، ولم يفرق في ذلك بين البشر باعتبارهم بشراً لا تفرق بين إنسانيتهم الحواجز الجغرافية والأثنية والدينية.
في زيارته التاريخية عام 2001 إلى دمشق -وهي أول زيارة لـ"بابا روما" لبلد عربي- دعا البابا وصلى (من أجل أن تتوجه قلوب المسيحيين والمسلمين نحو بعضهم بعضا بمشاعر الأخوة الإنسانية والصداقة). وهي دعوة مطلوبة في هذا الزمان الذي ترتفع فيه أصوات متشنجة من الطرفين تدعو إلى صراع دموي باسم العقيدة السماوية، صراع ليس للعقل ولا للدين علاقة به إنما هو تعبير فظ عن مصالح دنيوية تتستر خلف شعارات وكلمات مبتورة باسم الحضارة والدين.
نعم كانت لمشاركة عدد من ممثلي الدول الإسلامية والعربية في تشييع جنازة البابا يوحنا بولس الثاني جوانب جدّ إيجابية، ليس أقلها أنها قد فتحت الباب في الدوائر المهتمة مرة أخرى لقضية الحوار المسيحي- الإسلامي، الذي كان البابا قد وضع بعض أساسه في لقاءات وحوارات مع علماء مسلمين أكفاء ومقتدرين. وقد كتب الأستاذ دانيال ثمنسون رئيس كرسي الدراسات الدينية في جامعة فورد في نيويورك "إن البابا الراحل قد وضع الأساس للتصالح المسيحي- الإسلامي وعلى البابا القادم أن يضع ضمن استراتيجيته قضية توسيع الحوار المسيحي- الإسلامي ضمن أولوياته وأن يدفعه ليشمل أكبر قاعدة من القادة المسلمين من أجل إيجاد لغة مشتركة بين المسيحيين والمسلمين".
قد يبدو الوقت مبكراً الآن بالنسبة للبابا القادم أن يتحرك في هذا الاتجاه، لكن الشيء المؤكد هو أن حواراً مسيحياً-إسلامياً هدفه أن يزيل هذه الالتباسات المعقدة التي تطورت وكبرت بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر ودفعت قطاعات من المسيحيين إلى النظر إلى الإسلام والمسلمين بأنهم مصدر الإرهاب والعنف وتهديد الحضارة الغربية، هو مهمة جليلة وواجب إنساني نحو كلا الطرفين، فسوء الفهم المتبادل وعدم الثقة المتبادلة يمكن أن يؤديا إلى كوارث كبرى يدفع ثمنها الأبرياء من المسلمين والمسيحيين.