عودة بالذاكرة سبع سنوات إلى الوراء وتحديداً إلى عام 1998 نجد أن الأمل الرئيسي في إحداث الإصلاح السياسي في منطقة الشرق الأوسط كان ينصب على إيران، حيث تمكن أحد كبار الأئمة الإصلاحيين من اكتساح أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية، بينما استعد مناصروه لتحقيق فوز مماثل في الانتخابات البرلمانية. وأخذت الصحف والمجلات المستقلة تشهد نوعاً من الازدهار حيث أصبحت القبضة الحديدية لحكم الملالي الشمولي محط انتقادات وهجوم أولئك المطالبين بنوع من الديمقراطية الإسلامية الليبرالية. وفي هذه الأثناء كان الإصلاح السياسي في أماكن أخرى من المنطقة يبدو أقل زخماً وأصعب تحقيقاً. فقد بدا الجيش في تركيا أكثر عزماً على منع الحزب الديمقراطي الإسلامي من الإمساك بمقاليد السلطة في هذه الجمهورية العلمانية. وأصبح العمدة السابق لمدينة أسطنبول ضمن أكثر السياسيين شعبية في الدولة رهن الاعتقال. أما على امتداد العالم العربي فقد ظل الديكتاتوريون من الملوك والرؤساء يعيشون في أمان دون أن يوجد ما يعكر صفوهم أو ينال من امتيازاتهم.
بيد أن الأمور قد تغيرت فيما يبدو حيث اكتسب الإصلاح في منطقة الشرق الأوسط الكبير المزيد من المصداقية والنمو في كل مكان تقريباً باستثناء إيران. ولم تقتصر المسألة على إجراء تلك الانتخابات الناجحة في فلسطين والعراق بل إن الإصلاح السياسي بدأ يكتسب المزيد من الزخم ويمضي بخطوات متسارعة على امتداد المنطقة من المغرب إلى المملكة العربية السعودية. أما في تركيا فإن رجب طيب أردوغان السياسي الذي كان يقبع في السجون في فترة ما، أصبح الآن رئيساً للوزراء وهو يقود سلسلة كبيرة من الإصلاحات الدستورية الهادفة إلى تسهيل انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي نفس هذا الوقت استمرت الفترة الثانية والنهائية للرئيس محمد خاتمي تمضي إلى فشلها المحتوم. فالبرلمان الإصلاحي الذي تم انتخابه وبنيت عليه الآمال في عام 1999 أطيح به في انتخابات عام 2004 بعد أن سادت البلاد موجة من الهجوم الذي دعمته السلطة ضد الإصلاحيين. إن الأسباب التي أدت إلى فشل الحركة الإصلاحية في إيران ما زالت تثير الجدل في أوساط المؤرخين إلا أن الأمر الأكثر أهمية هو ذلك المدى الذي أصبح فيه الغرب وإدارة بوش أكثر ميلاً للقبول بانزلاق إيران نحو هاوية الشمولية والطغيان، وهو نظام الحكم الذي طالما وصفته الإدارة الأميركية بأنه يمثل بؤرة لنمو وانتشار الإرهاب في أماكن أخرى من المنطقة. ولم يكن الزعماء الغربيون هم وحدهم الذين توصلوا إلى هذا الخيار غير الأخلاقي وإنما أيضاً أولئك الزعماء الإصلاحيون الذين وقفوا يعارضون توجيه الانتقادات إلى الولايات المتحدة بشأن ممارسات الحكومة الإيرانية في انتهاك حقوق الإنسان. وعلى سبيل المثال ذلك الموقف الذي اتخذته شيرين عبادي الفائزة بجائزة "نوبل" والتي كتبت في صحيفة "نيويورك تايمز" في فبراير الماضي وهي تعارض الضغوط الأميركية مشيرة إلى ضرورة إنشاء "هيكل عام تعمل من خلاله منظمات المجتمع المدني" كسبيل إلى إحداث التغيير في إيران. ولكن المشكلة تكمن في أن هذه الفكرة تتألف من شقين: أولهما أن المجتمع المدني لا يمكنه أن يجلب التغيير السياسي من فراغ. فبدون وجود الانتخابات التنافسية الحرة وحرية التعبير والصحف والقضاء النزيه المستقل فإن حركة المجتمع المدني مهما كانت قوتها كما يدعي مناصروها لا يمكن أن تفضي إلى آثار ملموسة في الأوضاع والظروف السياسية الراهنة. وثانياً أن المجتمع المدني ليست لديه القوة الكافية حيث لا يتمتع بالحماية القانونية بحيث يمكن إلقاء القبض على النشطاء والزج بهم في السجون متى ما رغبت السلطات في ذلك.
لذا فإن المطالبة بإنهاء الضغوط الأميركية لا تعدو مجرد الارتهان إلى الوضع القائم أصلاً في الوقت الذي بدأت فيه فكرة الشرق الأوسط الكبير تجني العديد من الثمار وتكتسب قوتها من الدفع الأميركي تجاه الحرية والديمقراطية من أجل إحداث التغيير. وحتى تلك الدول الاستراتيجية الشريكة على المدى الطويل للولايات المتحدة الأميركية مثل مصر قد بدأت تستشعر وتتفاعل مع هذه الضغوط السياسية. لذا فمن الغريب أن تجد أحداً يرغب في تغيير الوضع السياسي في إيران وهو يطالب بإيقاف مثل هذه الضغوط.
ويبقى أن الولايات المتحدة الأميركية بات يتعين عليها أن تجعل من الواضح أنها مستعدة لاستئناف الحوار مع الحكومة الإيرانية من أجل التوصل إلى حلول لجميع المشاكل العالقة بين البلدين بمجرد أن تمسك حكومة ممثلة لرغبات وتطلعات الشعب الإيراني وحقه في حرية التعبير بمقاليد السلطة في طهران. على ألا تصبح هذه الحكومة تكراراً لنسخة الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني أو أي من أمثاله من الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب الإيراني والذين من المحتمل أن يأتوا إلى السلطة بعد الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الشهر المقبل. وفي هذه الأثناء يجب على الولايات المتحدة أن تسعى بكل ما في وسعها للتواصل مع الشعب الإيراني بمنأى عن حكومته. ويجب أن تتضمن