ملايين العراقيين الذين تحملوا عناء المجازفة بحياتهم وذهبوا إلى مراكز الاقتراع ليدلوا بأصواتهم إنما ذهبوا ليعطوا أصواتهم لعراق جديد سماته الأساسية الشفافية والصراحة والحرص على المواطن. الذي حدث ويحدث بعد أكثر من شهرين على إجراء الانتخابات العراقية، ولًد نوعاً من الصدمة وخيبة الأمل الكبيرة يشعر بها كل مواطن عراقي. البعض يطرح أن التأخير في حل مشكلات العراقيين حالة طبيعية في بناء سياسي جديد بعد عقود طويلة من حكم ديكتاتوري. ومع الأخذ بهذا الرأي، فإن ما يحمله من مبررات يتراجع أمام المتاعب اليومية القاسية التي يعاني منها الشارع العراقي.
حل كل هذه المشكلات وغيرها يكمن في تدشين أجهزة دولة متماسكة وحكومة وطنية قوية متفق عليها، لكن القراءة الصحيحة للأمور تعطينا صورة من التناقضات والارتباكات والتشعبات السياسية التي لا تخدم هذا الهدف! ولا يمكن وضعها في خانة "اللعبة الديمقراطية" بل قد تكون في جانب منها لعبة فردية أو فئوية يختلط فيها العام بالخاص، لأن بعض السياسيين العراقيين مازالوا يفكرون ويتصرفون وكأنهم في المعارضة العراقية السابقة ومؤتمراتها في لندن وغيرها. ويتعين على هؤلاء التعامل مع واقع العراق الجديد، لا أن يجعلوا حسابات الكراسي والحصص والموقف الطائفي فوق مصلحة العراق الجريح الذي هو بحاجة إلى طاقة كل أبنائه المخلصين. من ينظر إلى الوطن وكأنه فقط مجرد "فرصه اقتصادية" أو "محطة عبور" في حياته ليس إلا، سيرتكب خطأ جسيماً، لأنه لا يمكن لشخص معين أو فئة معينه أن تحتوي كل العراق، بينما العراق قادر على احتواء الجميع. العراقيون يتوقعون من الأشخاص الذين جازفوا بحياتهم لأجل إيصالهم إلى الجمعية الوطنية والحكومة العراقية، إنجازات واضحة وكبيرة لتغير واقع أصبح يشكل عبئاً يضاف إلى أعبائهم الأخرى مثل انقطاع الكهرباء والماء والخدمات وغياب الأمن، وذلك من خلال تنفيذ استحقاقات طال وقت انتظارها، وأهمها: وقف نزيف الدم العراقي المستمر وإعادة الأمن والأمل لكل العراقيين دون استثناء.
محمد الوادي - صحفي عراقي - كوبنهاجن