كنت ضمن صفوف الحاضرين والمتابعين للعرض الذي قدمه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حول الدور المستقبلي للقطاع الخاص في عملية التنمية والشراكة بين القطاعين العام والخاص في إمارة أبوظبي، وهذه الرؤية الطموحة تشمل فيما تشمل دوراً أساسياً للقطاع الخاص كشريك كامل في الرؤية وداعم فاعل لها. ومن خلال استعراض سمو الشيخ محمد بن زايد والمحاور المتعددة التي تم طرحها يبرز إدراك متنامٍ بأهمية تفعيل دور القطاع الخاص في خدمة الوطن والمواطن. وما دعوة الحوار والتواصل التي طرحت من خلال لقاء قصر الإمارات والملتقى المزمع تنظيمه إلا كلمات عذبة على القطاع الخاص أن يلتقط خيوطها ويبني عليها ويطورها، فهذه الدعوة تأتي من قمة الهرم السياسي ومن شخص طالما عرفنا أنه مستمع جيد وشخص وطني غيور همه رفعة هذه الدولة وتطورها.
ويشير اللقاء إلى أن إمارة أبوظبي تسعى إلى تفعيل دور القطاع الخاص من خلال هذه الشراكة، وتدرك أن المرحلة القادمة تتطلب مثل هذا التحفيز، فالفرص عديدة والتربة صالحة والوطن مستقر آمن، وعلينا أن نحشد كافة السواعد والعقول في العملية التنموية، ولا شك أن إطلاق العنان لقدرات وديناميكية القطاع الخاص ضمن أطر وطنية واضحة سيأتي بالفائدة الجمة للدولة ولإمارة أبوظبي، وسيدعم جوانب عديدة في المجتمع الإماراتي تتجاوز الشأن الاقتصادي البحت. والحديث هنا عن القطاع الخاص البناء الذي يساهم من خلال عمله في حركة العجلة الاقتصادية، لا الفئة المتطفلة القليلة التي لا همّ لها إلا الكسب السريع وتسيء من خلال جشعها للسواد الأعظم.
وبرأيي المتواضع أجد أن أهم ما في هذا اللقاء هو أنه يمثل نموذجاً علينا تكريسه من حيث إنه، أولاً وأخيراً، دعوة للحوار الحضاري البناء ودعوة للتشاور والتواصل. والرسالة الموجهة للحاضرين أن الدولة تثمن رأي وخبرة هذه الشريحة الواسعة من المواطنين التي تمثل القطاع الخاص وتريد من خلال هذا الحوار أن تستنير بهذه الآراء وأن تشملها ضمن برنامج متكامل هدفه مواكبة المرحلة القادمة تنموياً. ومن هنا يأتي ترحيبنا باللقاء وبالتوجه الذي يريد أن يجمع الكلمة ويؤصل للشراكة بين القطاعين في مجتمع تعوّد أن يكون شريكاً ومساهماً كجزء أساسي من تقاليده وأعرافه. كما أن الدعوة للحوار والتواصل فيها قدر من التأني الذي يتطلبه البرنامج التنموي القادم، فرصة زمنية معقولة لجمع الأفكار والآراء والخروج ببرنامج يمثل حصيلة خيّرة للمرحلة المقبلة.
لا أود هنا أن أقدم استعراضاً كاملاً لهذا اللقاء المهم وغير المسبوق، ولكن لابد لي من أن أتطرق إلى جانبين تناولهما الشيخ محمد بن زايد ويمثلان أساساً لنجاح المسيرة التنموية. أما الجانب الأول فهو الأمن والاستقرار الذي جعل هذه التنمية وهذا النمو سجلاً مستمراً منذ قيام الدولة، فمن خلال خبرته العسكرية الواسعة، عبر الشيخ محمد بن زايد عما نؤمن به جميعاً وعما يجيش في النفوس، ألا وهو أن الاستمرار في النجاح مرتبط بالحفاظ على نعمة الاستقرار والأمن الذي يعتبر أحد أبرز إنجازات والدنا المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، وهذا الركن الحيوي يتمتع به ويحرص عليه كل مواطن ومقيم في هذه الأرض الطيبة. ولا شك أن إدراك القيادة السياسية لهذه الحقيقة يضمن الأرضية الأساسية لاستمرار عملية التنمية. أما النقطة الأخرى التي ركز عليها سموه، فخيبة أمل وحرقة يحملها أغلبنا حول مستوى وأوضاع التعليم العام في الدولة، والتعليم كما ندرك جميعاً ليس بالترف المنعزل عن العملية التنموية بل يقع في صلبها وفي صلب خطط المستقبل، والتعليم العام في الدولة لم يواكب النهضة التي تشهدها العديد من القطاعات الأخرى، ولا شك أن الأجندات المختلفة وصراع التيارات السياسية على القطاع أثر سلباً على التعليم، ولهذا الصراع مسؤولية رئيسية في الأزمة التي يعاني منها التعليم العام حالياً، والملاحظات التي أبداها سموه حول التعليم مهمة من حيث إنها تلامس وتعيق رؤيتنا التنموية، فلا تنمية اقتصادية حقيقية ومتطورة دون موارد بشرية مؤهلة ومتمكنة وبعيدة عن الاستقطاب الأيديولوجي الذي تعاني منه الساحة العربية. وفي نقده للتعليم في الدولة يشارك الشيخ محمد بن زايد أفكاره السواد الأكبر من المتابعين في هذا البلد الطيب، ويبقى الأمل أن نستطيع ومن خلال استراتيجية واضحة وسخاء في الإنفاق على تطوير هذا الجانب.
رسالة سمو الشيخ محمد بن زايد أتت واضحة ودعوته للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ترسم خطى مستقبل إمارة أبوظبي ودولة الإمارات وتمثل إضافة جديدة للمستقبل ومنهجاً يكمل المسيرة التنموية الناجحة في الدولة، والمحصلة النهائية لمثل هذا التواصل المزيد من الثقة في المستقبل والمزيد من الوضوح في الرؤية وفوق هذا وذاك شعور بأننا شركاء في هذا الوطن وفي مستقبله.