اتجهت بعض الجهات الحكومية خلال الآونة الأخيرة إلى الإعلان عن رفع أسعار خدماتها بنسب ومعدلات تفوق طاقة الكثير من المواطنين والمقيمين، متذرعة بتضخم قيمة المصروفات وارتفاع بنود الرواتب وفاتورة الخدمات التي تقدمها إلى الجمهور، وهذا أمر حقيقي ويحتاج إلى علاج جذري كي لا تتحمل ميزانية الدولة أعباء تفوق طاقتها، وأيضا كي لا نخل بما وصلت إليه ميزانية العام المالي 2005 من توازن بين الإيرادات والمصروفات التقديرية وصدورها من دون عجز للمرة الأولى. ولكن البحث عن سبل لتغذية الموارد لا يعني كذلك أن تفوق أسعار الخدمات نظيرتها في القطاع الخاص الذي نتفق جميعاً على أن شريحة كبيرة من مؤسساته تبالغ في الأسعار، وتطرح خدماتها وفقاً لاعتبارات لا علاقة لها بالقيمة الفعلية للخدمة. والأصل في ما تقدمه الجهات الحكومية من خدمات هو أن تحسب وفقاً للتكلفة الفعلية ولا تستهدف الربح، بحيث يتحقق للمؤسسة نوع من التوازن بين الإيرادات والمصروفات، ولكن الأسعار التي تعلنها بعض الجهات الرسمية، مثل وزارة الصحة، تنطوي على مبالغات واضحة، إذ كيف يمكن ـ وفقا لجدول الأسعار الذي تداولته الصحف منسوبا إلى الوزارة ويطبق من بداية مايو المقبل ـ أن تقيم عملية كبرى مثل جراحة المخ والأعصاب بقيمة أقل من الولادة القيصرية وبقيمة تساوي تقريباً تكلفة عملية الولادة الطبيعية (ثلاثة آلاف درهم لجراحة المخ والأعصاب مقابل 2500 درهم للولادة الطبيعية لحاملي البطاقات الصحية مع مضاعفة القيمة لغير الحاصلين عليها) وكيف توازي قيمة تكلفة "عملية كبرى" في جراحة العيون تكلفة عملية الولادة الطبيعية، التي نأخذها هنا كمثال باعتبارها ستكون الأكثر تماساً واحتياجاً من جانب الجمهور، كما لا يخفى على أحد أنها لا توازي في مستوى خطورتها طبيا - في معظم الحالات - جراحة مثل جراحة العيون.
وكيف تتوازى العمليات الجراحية الكبرى في القلب مع عمليات الولادة القيصرية وكيف تفوق الأخيرة في تكلفتها جميع العمليات التخصصية الواردة ضمن قائمة الأسعار بما فيها جراحات العظام واستبدال المفاصل وجميع الجراحات العامة! وكيف يمكن أن تكون أسعار المبيت بغرف مستشفيات وزارة الصحة تفوق بعض الفنادق ذات الأربعة نجوم مع فارق الظروف والهدف والمكان والخدمة ذاتها؟ وعلى الخلفية السابقة يمكن القول إن هذا الجدول المعلن من جانب وزارة الصحة يبدو أشبه بقائمة أسعار سلع مع أن العمليات الجراحية ليست من النمطية والتشابه بحيث يمكن إخضاعها لهكذا معالجات، والفروقات السعرية بين العمليات الجراحية مثيرة للتساؤلات بعد أن ارتفعت قيمة هذه الخدمات وانتقلت بصورة مباشرة من مرحلة المجانية إلى معدلات تتجاوز في تكلفتها ما يقدمه القطاع الخاص من مستويات سعرية!. وإذا كانت العيون جميعها موجهة إلى التجار خوفاً من التهام مكرمة زيادة الرواتب فإن رفع أسعار الخدمات الحكومية يبعث أيضاً برسائل خاطئة إلى السوق ويسهم في حالة الإرباك السائدة بين الجميع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية