زار وزير الخارجية الهندية واشنطن الأسبوع الماضي، والتقى بكل من الرئيس بوش ونظيرته الأميركية كوندوليزا رايس وغيرهما من كبار المسؤولين، الذين ناقش معهم عدة موضوعات ذات صلة بالمصالح المشتركة بين البلدين، امتدت من مواجهة المطامع الاستراتيجية الصينية في المنطقة، إلى الدفع بعجلة النمو الاقتصادي، وصولاً إلى التخفيف من حدة التوتر بين الهند وباكستان. ولكن المؤسف أن في وسع الهوس الأميركي بإيران، أن يعرقل مبادرة أساسية حيوية، لها القدرة على الدفع قدماً بجميع هذه الأهداف. فالهند وباكستان تتعاونان الآن معاً على إنشاء خط أنابيب، يفترض فيه أن ينقل الغاز الطبيعي من إيران عبر باكستان إلى الهند. ويمثل ذلك الخط، نوعاً من أنواع المبادرة الضرورية اقتصادياً، الصديقة للبيئة، الداعمة للأمن الإقليمي والدولي، التي طالما واصلت الولايات المتحدة الأميركية الدعوة إليها لسنوات عديدة. ومع ذلك يصر الكونجرس والإدارة الأميركية معاً على موقفهما المتشدد، الداعي إلى ممارسة المزيد من الضغوط على إيران، بما في ذلك التهديد بفرض عقوبات على أي دولة تتعاون مع طهران، في أي من المجالات الاقتصادية.
والمقرر أن يبدأ خط الأنابيب هذا، البالغ طوله 1.625 ميلاً، في حقول "بارس" للغاز الطبيعي في جنوبي إيران، ثم يشق طريقه عبر الأراضي الباكستانية. ومن هناك تخطط الهند لبناء خط موصل من باكستان، يتم عبره نقل الغاز الطبيعي إلى منطقة غربي الهند، المتعطشة للطاقة والوقود. أما من حيث التكلفة البالغة 4 مليارات دولار لبناء هذا الخط، فهي تعد الأكثر اقتصاداً لتأمين نقل الغاز الطبيعي من إيران إلى الهند عبر باكستان. وفوق ذلك، فإن تمويل بناء هذا الخط، لا يتطلب أي دعم مالي أميركي. أضف إلى ذلك أن الهند تعتبر دولة في أمس الحاجة لمصادر الطاقة الجديدة، وإلا فسيتوقف نموها الاقتصادي بدون توفرها. أما باكستان، فسيكون في وسعها جني عائدات سنوية من الرسوم المفروضة على مرور الغاز عبر أراضيها، تتراوح قيمتها ما بين 600-700 مليون دولار. كما يتوقع لهذا الخط، أن يخلق الكثير من الوظائف، التي لشد ما تحتاجها القوى العاملة العاطلة، في كل من إقليمي بلوشستان والسند. ومن جانبها فقد وافقت طهران على تمويل المشروعات التنموية الجارية في باكستان بنحو 200 مليون دولار، تتضمن إنشاء شركة استثمار إيرانية- باكستانية مشتركة، الهدف منها حفز علاقات التعاون والاستثمار الثنائي بين البلدين.
وفيما وراء الفوائد الاقتصادية الجمة المأمولة لخط الأنابيب هذا، تكمن مزايا أمنية وسياسية غير منظورة، منها التخفيف من حدة التوتر والنزاع بين كل من الجارتين الهند وباكستان. وكما قال رئيس الوزراء الباكستاني شوكت عزيز:"إذا ما تمكنا من إنشاء هذا الخط وبدأ ضخ الغاز عبره بالفعل، فإني على يقين تام، بأن العلاقات الباكستانية-الهندية ستمضي في الطريق الصحيح". ومن جانبهم يحتفظ المسؤولون الهنود بشكوكهم ووساوسهم إزاء عدم سماح باكستان للغاز بمواصلة تدفقه وانسيابه المنتظم عبر بلادهم في كل الأحوال. إلا أن المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية المرتقبة لهذا الخط، تحملهم على القناعة بجدوى الخوض في مغامرة بنائه المشترك مع الجارة العدوة باكستان. كما يتوقع لهذا الخط أن تكون له فوائده البيئية أيضاً. فالمعلوم عن الغاز الطبيعي، أنه الطاقة الحفرية الأنظف على الإطلاق. ومما لا شك فيه أن تدفقه المنتظم إلى الهند، سيساعد هذه الأخيرة في خفض نسبة التلوث فيها، بما في ذلك خفض انبعاثاتها من غاز الكربون وغيره، وبذلك تكون الهند قد أسهمت في الحد من ظاهرة التدفئة المناخية التي باتت تهدد البشرية كلها اليوم.
ولكن لا تزال واشنطن تواصل رفضها وتعنتها، لقناعتها بأنه من شأن إلحاق الأذى الاقتصادي بإيران، إرغامها على العدول عن طموحاتها ومشروعاتها النووية، فضلاً عن أنه سيساعد على الإطاحة بالنظام الإيراني القائم حالياً في نهاية المطاف. ولكن الشاهد أن مضي 26 عاماً على هذه العقوبات الأميركية، لم يحقق أياً من هذين الهدفين المذكورين. بل ربما قادت تلك العقوبات، الكثير من الإيرانيين، إلى الاعتقاد بأن تطوير الأسلحة النووية، هو السبيل الوحيد الممكن لحماية بلادهم من خطر العداء الأميركي. والملاحظ أن كلاً من الأعضاء الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس، تبادلا خطأ تشخيص وفهم آليات وديناميات السياسة الإيرانية. فهناك تطغى كثيراً مشاعر الوطنية الإيرانية، على الحمية والحماس الثوري الديني. وما تفعله الضغوط والعقوبات الاقتصادية والدبلوماسية المستمرة على طهران، أنها تصب النار على زيت تلك الحمية الوطنية المتقدة، فتزيدها اشتعالاًَ على اشتعال. ولدى الإيرانيين بمختلف اتجاهاتهم ومشاربهم السياسية، قناعة مشتركة، مفادها أن الولايات المتحدة إنما تحرص على تخلف بلادهم عن ركب الشعوب الأخرى وحركة تقدمها. ويفسرون هذه السياسة الأميركية، على أنها ردة الفعل ورغبة الثأر والانتقام، من أزمة الرهائن الأميركيين التي وقعت مع اندلاع الثو