في الأسبوع الماضي هبطت أسعار النفط مما يقرب من 60 دولارا إلى حوالي 50 دولارا للبرميل، مما أدى إلى حالة من الابتهاج في الأسواق. وفي الحقيقة أن هذا الابتهاج سابق لأوانه، لأن الأزمة التي نمر بها الآن هي أزمة طويلة الأمد، ومن الأفضل بالنسبة للعالم أن يتعايش مع حقيقة أنها ستبقى لوقت طويل. فالعقوبات التي يمكن للكونجرس الأميركي فرضها على الدول المصدرة للنفط لن تحل تلك الأزمة، كما أنه لا يمكن التغلب عليها بثمن زهيد. وخلاصة القول، إن أسعار النفط قد ارتفعت عدة أرقام للأعلى ومن المتوقع أن تظل كذلك، إلى أن يتم العثور على بديل للنفط، وهو أمر لن يتحقق بالطبع بين يوم وليلة.
وهناك إحصاء نشر هذا العام يقول الكثير حول هذا الأمر: مع نهاية هذا العام سيرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 3.3 مليون برميل يوميا، ليصل إلى 8.61 مليون برميل يوميا. هناك عدد قليل من موردي النفط يستطيعون إنتاج الكميات الإضافية المطلوبة. الطلب الإضافي يمثل ضعف ما تستطيع المملكة العربية السعودية، أكبر دولة نفطية في العالم، إنتاجه حتى لو فتحت صمامات النفط على آخرها. ومنتجو النفط الآخرون سواء في الأوبك أو خارجها، يقومون بضخ كل ما يستطيعون وبالتالي فلا يمكنهم ضخ المزيد. ومعظم الظمأ النفطي الناشئ حديثا سببه نمران اقتصاديان آسيويان هما الصين والهند، وهما دولتان ليس من المتوقع أن تقوما بإبطاء مسيرتهما الاقتصادية في المدى المنظور.
ما لم تقم أكبر دولة مستخدمة للنفط في العالم على الإطلاق، وهي الولايات المتحدة بإجراء دراماتيكي لتخفيف ظمئها النفطي، فإن هناك احتمالاً كبيراً للغاية لأن يصبح القرن الحادي والعشرون هو "قرن حروب النفط".
خلال الأعوام القليلة الماضية، وصلت بحيرتان من بين أكبر البحيرات النفطية في العالم إلى نقطة ذروة الإنتاج. فبحيرة بحر الشمال وصلت إلى تلك النقطة التي بلغت 6.03 مليون برميل يوميا عام 1999. ومنذ ذلك الحين بدأ الإنتاج في تلك البحيرة يقل بنسبة 3 في المئة سنويا. أما الإنتاج في البحيرة الأخرى وهي حقول النفط في آلاسكا، فقد انخفض بمقدار النصف منذ عام 1994، وتحديدا من مليوني برميل يوميا في ذلك العام، إلى 900 ألف برميل في الوقت الحالي.
في نفس الوقت الذي كان فيه إنتاج تلك البحيرات النفطية الهائلة يتناقص، أدى عدم قيام منتجي النفط في الشرق الأوسط وفي مناطق أخرى في العالم بضخ استثمارات جديدة إلى جعل تينك البحيرتين غير قادرتين على تعويض الفارق. وهذا في حد ذاته لا يشكل مفاجأة. فعندما وجدت الدول النفطية الكبرى نفسها بين خيارين هما خيار تخصيص جزء من عوائد النفط الجديدة لتطوير حقول جديدة، وخيار استخدام تلك العوائد في تعزيز الرفاه داخل الوطن وسداد الديون المتراكمة وتنشيط الاقتصادات الراكدة، فإن معظم تلك الدول فضلت الخيار الثاني. فالعثور على آبار نفط جديدة يمثل مشروعا باهظ التكلفة، إذ يحتاج إلى مبلغ يتراوح ما بين 30 إلى 50 مليار دولار تقريبا كما يحتاج إلى سنوات عديدة تستغرقها عملية التنقيب وبناء خطوط الأنابيب. ومثل تلك الاستثمارات لم تتم سواء من قبل المملكة العربية السعودية أو غيرها لما يزيد على عقدين من الزمان الآن، وهو ما أدى إلى هذه الضائقة النفطية التي نشهدها حاليا. وقد اكتملت حلقة الضغط حول رقبة المستهلكين عندما تم فرض عدد هائل من اللوائح البيئية على مدى العقود الماضية - في الولايات المتحدة على وجه الخصوص- على عمليات تكرير النفط الأمر الذي جعل تلك العمليات خطرا على المصالح النفطية الكبيرة. ولذلك فإنه حتى إذا ما وصل المزيد من النفط الخام إلى سواحل الولايات المتحدة، فإن السلطات ستجد نفسها مضطرة إلى إبقائه هناك، إلى أن يصبح بالإمكان تكريره وهو ما سيساهم بدوره في تفاقم النقص.
ويذكر أن هناك مجموعة كبيرة من العقوبات ذات الدوافع السياسية التي كان قد تم فرضها من قبل الولايات المتحدة على كبار الدول المنتجة للنفط مثل إيران وليبيا والعراق على مدى العقدين الماضيين، وهو ما أدى إلى إبعاد الشركات الأميركية عن تلك الدول، في نفس الوقت الذي أتاح فيه للشركات الصينية والروسية والنرويجية العملاقة الفرصة للحلول محلها. لذلك فإننا نجد الآن أنه من بين المراكز العشرة الأولى في قائمة كبار شركات النفط في العالم، سبع مراكز تحتلها شركات أجنبية هي:"شل" (هولندية – بريطانية) و"بريتش بتروليوم" (بريطانية) و"لاك أويل" (روسية)، و"أجيب" (إيطالية) و"توتال" (فرنسية)، و"بتروباس" (برازيلية)، و"صينوبك" (صينية) وكلها تمتلك تقنيات متقدمة تتساوى مع تلك التي تمتلكها كبريات الشركات الأميركية المنتجة للنفط.
وعلى الرغم من كل ما يثار حول الطاقة البديلة بما في ذلك السولار، والطاقة النووية وغير ذلك، فإنه لم يتم العثور حتى الآن على مصدر طاقة واحد يمكن أن يحل محل النفط - الذي يشكل 45 في المئة من الطاقة العالمية- ومحل الغاز الطبيعي باعتبارهما – النفط والغاز الطبيعي- الوقودان الرئيسيان المستخدمان في النقل والت