كانت تلك حركة غاية في النعومة والجسارة، حركة تم أداؤها بتلك البراعة البيروقراطية المعهودة التي تدور فيما وراء الكواليس والخليقة برجال من عينة ديك تشيني.
إن هذا الرجل الذي كان يقوم بدور الموجه السياسي للبابا الراحل، والذي ساعد على الإشراف على العملية الانتخابية والتأكد من أنها ستنتهي باختياره، راح يتظاهر بالبحث عن بابا جديد، ناظرا في مختلف أنحاء الغرفة قبل أن يقرر بأسرع من لمح البرق، أنه هو نفسه خير من يصلح للوظيفة، تماما كما كان يفعل تشيني.
ومثله مثل نائب الرئيس الأميركي أيضا، كان الكردينال "جوزيف راتزينجر" في شبابه نموذجاً للموظف المطيع في الخدمة السرية "الاستخبارات" في بلاده، وكان يحمل اسما رمزيا هو "الكرسي الخلفي". ومثله تماما أيضا قام الرجل الذي اشتهر بالتواضع والبعد عن الأضواء بتسلق "الكرسي الخلفي" كي يقبض على دفة الأمور في الفاتيكان.
ومثلما لعب السيد تشيني دور الشرطي الخشن مقابل دور العضو الحزبي الودود ذي التصرفات شبه الصبيانية الذي كان يمثله جورج بوش، فإن الكاردينال راتزينجر لعب أيضا دور الشرطي الخشن مقابل دور الرجل ذي الروح الرقيقة الذي كان يمثله البابا الراحل.
ومثله مثل نائب الرئيس الأميركي، يعتبر البابا الجديد محافظا متعصبا عتيق الطراز، وشخصية تنظر بازدراء إلى مبادئ مثل "إذا ما شعرت بأن الشيء في مصلحتك فلا تتردد في فعله"، وتأنف من الاتجاهات الثورية الداعية إلى التنوع والانفتاح الثقافي التي سادت منذ حقبة الستينيات.
والرجلان متوافقان أيضا من حيث أنهما ينتميان إلى نمط الشخصية المستبدة برأيها، والتي ترى أن العالم ينقسم إما إلى خير مطلق أو شر محض، وتتطلع إلى إدامة نمط المجتمع البطريركي (الأبوي) الذي يحرم زواج الشواذ، والذي يقوم بتقليص أعداد المرشحين الديمقراطيين المؤيدين لحق المرأة في الإجهاض.
الاثنان أيضا ينتميان إلى منطقتين ريفيتين في بلديهما، وكلاهما يريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وطرد الأرواح الشريرة من سخافات العصر الجديد. فالسيد تشيني يريد أن يفكك برنامج "الميثاق الجديد" (برنامج أطلقه روزفلت في ثلاثينيات القرن الماضي) والعودة مرة أخرى إلى الفترة التي سادت قبل ذلك. والبابا "بينيديكت السادس عشر" يريد بدوره أن يفكك بنية "الفاتيكان الثاني" والعودة به إلى ما قبل عام 1397.
وكعالم تخصص البابا الجديد في علم "آباء الكنيسة وكتاباتهم"patristics الذي يتناول سيرة هؤلاء الآباء خلال القرون الثمانية الأولى من المسيحية.
والرجلان أيضا خبيران في العمل وراء ستار من السرية، واستخدام روافع القوة لتحقيق مآرب أيديولوجية، كما أنهما يريدان تجنيد الكاثوليك لخدمة قضايا المحافظين، وتحويل صناديق الاعتراف إلى صناديق انتخاب، يتم فيها تهديد الناخبين بأن من يدلي بصوته للديمقراطيين ستلحق به اللعنة الأبدية.
وعلى النقيض من رونالد ريجان، والبابا يوحنا بولس الثاني، نجد أن نائب الرئيس الأميركي والبابا الجديد لا يحظيان بهذا النوع من الكاريزما والقبول الجماهيري الواسع النطاق، كما أنهما لا يتمتعان بطلعتين مشرقتين يمكن أن تخففا من سياستهما وأسلوبهما الخشن في التعامل. والحقيقة أن تطلعاتهما الدنيوية الكئيبة، قد جعلت البعض يطلق عليهما أسماء رمزية مثل "دكتور نو"Dr.No على تشيني، "والكاردينال نو" على البابا الجديد (دكتور نو شخصية شريرة ظهرت في سلسلة أفلام جيمس بوند التي مثلها شون كونري وكان أولها يحمل هذا الاسم).
والحقيقة أن "دوبرمان بوش" (الدوبرمان نوع من الكلاب الشرسة الكبيرة الحجم) "وروتفيلر الكنيسة"
(الروتفيلر فصيلة كلاب ألمانية ضخمة تستخدم في أعمال الحراسة) يقومان بفرض أجندة معينة في العالم، كما أن كلاً منهما صاحب مدرسة لها مريدون وأتباع.
فكما سعى نائب الرئيس إلى تعزيز صورة أميركا كإمبراطورية فائقة القوة، فإن البابا الجديد نظر إلى الكنيسة الكاثوليكية دائما على أنها الكنيسة التي تمثل صحيح الدين في العالم.
والاثنان يحبان أن ينحيا باللوم على وسائل الإعلام. فالكاردينال راتزينجر قام ذات مرة باتهام صحافة الولايات المتحدة بالمبالغة في التركيز على فضيحة الانتهاك الجنسي في الكنيسة الكاثوليكية بغرض إلحاق الضرر بالكنيسة في المقام الأول.
بيد أن السبل تفرقت بين "الدكتور نو" و"الكاردينال نو" بشأن الموقف من الحرب على العراق حيث قام الكاردينال بانتقاد الحرب ودور الأمم المتحدة.
مع ذلك فإن الرجلين يتفقان على أن أبحاث الخلايا الجذعية والاستنساخ يجب أن يتم تقليصها إلى أقصى حد، كما أن الكاردينال قام ذات مرة بوصف الاستنساخ بأنه "أكثر خطورة من أسلحة الدمار الشامل".
والمحافظون الأميركيون منتشون لاختيار البابا، ويأملون في إقامة نوع من الحلف غير المقدس معه، كما يأملون أن يقوم بتشجيع الأساقفة والقساوسة على الاضطلاع بدور أكبر في العلمية السياسية.
والكاردينال لم يتورع في الانتخابات الأميركية الأخيرة عن تحذير الكاثوليك من أنهم ل