على الأرجح أن تقرر أحداث حاسمة مرتقبة في غضون الأشهر القليلة المقبلة، مكانة تركيا في المسرح الدولي. ففي يونيو المقبل، من المتوقع أن يزور رجب طيب أردوجان، رئيس الوزراء التركي، الولايات المتحدة الأميركية، في مسعى منه لتحسين العلاقات الأميركية-التركية، لا سيما وأنها تمر بأدنى مستويات انحدارها وتراجعها مؤخراً. فقد أظهر استطلاع للرأي العام التركي، أجري مؤخراً أن 80 في المئة من الأتراك، يبغضون الرئيس بوش، في حين يعتبر كل ستة من عشرة أتراك، أن الولايات المتحدة الأميركية، هي العدو الأول لبلادهم، بلا منازع. وفي التاسع والعشرين من مايو المقبل، يتوقع أن تقرر فرنسا - عبر استفتاء شعبي عام- ما إذا كانت ستصادق على مسودة الدستور الأوروبي الجديد المقترح أم لا؟ وفيما لو جاء القرار الفرنسي سالباً، وهو ما تشير إليه معظم استطلاعات الرأي التي أجريت حتى الآن، ففي وسع تلك الضربة الفرنسية الموجهة لوحدة وتكامل الاتحاد الأوروبي، أن تطيح بآمال تركيا في الانضمام للاتحاد. هذا ومن المتوقع أن تبدأ تركيا مفاوضات الانضمام للاتحاد، في الثالث من شهر أكتوبر المقبل. بيد أن هذه المفاوضات ربما يتم تأجيلها أو عرقلتها، فيما لو أصيب الاتحاد نفسه بحالة من الشلل والعجز، جراء الخلاف الدائر في صفوفه، بشأن المصادقة على مسودة الدستور الجديد. وتحت كل الأحوال، يتواصل نمو واتساع دائرة المعارضة الأوروبية لانضمام تركيا لعضوية الاتحاد، حسبما تشير إلى ذلك استطلاعات الرأي العام الأوروبي. مقابل ذلك تتصاعد في الوقت ذاته، نداءات الكثير من المعلقين الصحفيين والساسة الأوروبيين، بضرورة الحفاظ على علاقات خاصة ومميزة مع تركيا، عوضاً عن إعطائها حق العضوية الكاملة في الاتحاد.
بيد أن تركيا، وفي مسعى منها للفوز بموافقة الاتحاد على بدء مفاوضات التحاقها به، خطت خطوات واسعة كبيرة، وبذلت من الجهود ما حقق جملة من الإصلاحات الجذرية في نظمها ومؤسساتها وتشريعاتها، بما في ذلك إلغاء عقوبة الإعدام، ونفي الشرعية عن ممارسات التعذيب، والسماح للأكراد بالتعبير عن ثقافتهم وهويتهم، واستخدام لغتهم الخاصة، فضلاً إرخاء قبضة المؤسسة العسكرية على السياسة والسلطة في البلاد. لكن وفيما يبدو، فقد شهدت هذه الخطوات تراجعاً عما كانت عليه من عنفوان وحيوية في بادئ انطلاقتها، بينما أبطأت خطى التنفيذ والتطبيق على درب الإصلاح.
هذا ويصادف الأسبوع الحالي، الذكرى التسعين لمذبحة الأرمن الوحشية التي وقعت في عام 1915، إبان ترحيلهم قسراً وفي ظل ظروف بالغة القسوة والغلظة، خلال الحرب العالمية الأولى من الأراضي التركية. وبهذه المناسبة، فقد نشطت مجموعات الضغط الأرمنية، وعملت في أوروبا كلها بهمة النمل والنحل، مطالبة كافة الحكومات والشعوب الأوروبية، بأنه وقبل الموافقة على انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي، فإن عليها أن تقر بمسؤوليتها عما اقترفته من مجازر ومذابح جماعية بحق الأقلية الأرمنية، في ذلك التاريخ المذكور آنفاً. وبسبب كل هذه العوامل والضغوط مجتمعة، تبدو الدبلوماسية التركية، عاطلة وقيد التجاهل والإهمال من قبل الآخرين، في حين تتسم علاقاتها مع الولايات المتحدة بالشد والتوتر، بينما يبقى مصيرها مع القارة الأوروبية مشكوكاً فيه، وعالقاً بين الأرض والسماء.
ومما لا شك فيه، أن للتداعيات الدموية المؤسفة التي شهدها العراق في مرحلة ما بعد الحرب، تأثيراًَ رئيسياً على هذا الشد والتوتر المخيم الآن على العلاقات الأميركية- التركية. فقد كان الرأي العام التركي، على أشد ما يكون العداء لواشنطن، التي رأى في غزوها للعراق، عدواناً غير شرعي ولا مبرر له، على دولة مسلمة وجارة. وكانت الواقعة واللحظة الحاسمة، في الأول من مارس عام 2003، حين رفضت "الجمعية الوطنية الكبرى" في تركيا، استخدام واشنطن للأراضي والأجواء التركية في غزوها للعراق. وهكذا حكمت الجمعية التركية، على مخططات أميركا الخاصة بـ"الجبهة الثانية" بالإلغاء والموت. وكانت واشنطن رأت في هذا التصويت السلبي على مطلبها -من قبل دولة حليفة وعضو في حلف "الناتو"- صفعة قوية على الخد، وكثيراً ما أنحت باللائمة على أسطنبول بعد ذلك، فيما اعترض طريقها من صعوبات في سحق التمرد العراقي المسلح ضدها، في مرحلة ما بعد الحرب. أما تركيا، فقد رأت من جانبها، أن ذلك التصويت، لم يكن سوى تعبير مشروع عن ديمقراطيتها.
ومما قوى من شوكة الرأي العام التركي المناهض للولايات المتحدة الأميركية، تحالف الأخيرة مع الأكراد، في شن الحرب على صدام حسين. ففي رأي الأتراك أن ذلك التحالف، عضّد مكانة الأكراد العراقيين، وعزز مطلبهم بالاستقلال الذاتي عن العراق، إن لم يرق إلى درجة الاستقلال التام عنه. وقد ظلت هذه المسألة على قدر كبير من الحساسية في الجانب التركي، بسبب إثارتها لنزعة الانفصال الكردي، وتعزيز مشاعر القومية الكردية، داخل الأراضي التركية نفسها. وليس ذلك فحسب، بل إن لتركيا تظلماتها ومآخذها الأخرى على واشنطن. ففي ميل هذه الأخيرة لل