عمّت الدولة أجواء من السعادة بعد مكرمة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة "حفظه الله ورعاه" بزيادة رواتب العاملين في الحكومة الاتحادية وفي حكومة إمارة أبوظبي، وذلك تعبيراً عن إحساس سموه بنبض الشارع واحتياجات المواطنين، ولرغبة سموه في رفع الأعباء عن أبنائه المواطنين والوافدين، وهي أعباء اقتصادية ومعيشية فرضتها الزيادات المطردة في أسعار المواد الاستهلاكية خلال الفترة الأخيرة، وبوتيرة متسارعة، إن دلت على شيء، فإنما تدل على أن جشع بعض التجار والمورِّدين، وشرههم لجمع وامتصاص كل درهم يدخل جيوب محدودي الدخل، لا حدود له. لقد تحول بعض هؤلاء إلى "هوامير" حقيقية لا تبقي ولا تذر، وكشروا عن أنيابهم فزادوا أسعار المواد الغذائية، والاحتياجات الضرورية الأخرى، وفق مزاد لا سقف له على ما يبدو، وذلك بحجج واهية، فلو زادت أسعار "الكاكاو" في البرازيل لرفع بعض التجار عندنا جميع الأسعار بحجة تأثرهم بذلك، ولو أعدمت فيتنام بعض حظائر الدواجن عندها فستزداد تلقائياً أسعار لحم "الدواجن" عندنا، وهكذا، لا يفهم بعض "هوامير السوق" شيئاً من متغيرات هذا العصر، سوى ما يمكن تسميته بحق بـ"عولمة الأسعار" الجنونية، أما أخلاقيات السوق فلا تسألهم عنها.
وفي هذا المقام لا يسعني هنا إلا أن أسجل تحية للدور الذي تقوم به هذه الأيام الجمعيات التعاونية في الدولة، ضد الموردين الذين يحاولون استغلال الوضع بزيادة أسعار بضائعهم، وهو دور مشكور ويدعم جهود الجهات الرسمية ذات الاختصاص، وأرى أن مسؤولية التصدي لجشع المتلاعبين بالأسعار يجب أن تكون جماعية.
ذلك لأن المستهلك عندنا مكشوف الظهر تقريباً في مواجهة "هوامير" البقالات وكارتيلات الاحتكار، التي لم تظهر في شيء - لسوء الحظ- مثلما ظهرت في مجال إنتاج وتسويق المواد الغذائية الضرورية وغيرها من المواد التي يتعامل معها بعض التجار وكأنه لا أسعار معروفة لها، أو كأنهم في مزاد مفتوح، تتحكم فيه عقلية بائع "الليلام". وعندما نقول إن المستهلك "مكشوف الظهر" فإن المقصود ينبغي أن يكون واضحاً، وسنوضحه بصراحة شديدة.
في الأحوال العادية عندما يستأسد "هوامير" السوق على المستهلك و"يشفطوا" دون رحمة ما في جيوبه، تستدعي الأذهان تلقائياً "جمعية حماية المستهلك". ولكن الوضع عندنا مختلف، وغريب أيضاً بعض الشيء. فما نقرؤه في الصحافة عن هذه الجمعية يعفيها من العبء الثقيل الذي يلقيه عليها اسمها الفضفاض الطويل العريض، لأن الجمعية لديها كل هذه المشاغل، والمشاكل، والاهتمامات التي تشغلها عن الهدف الذي أنشئت لأجله وهو حماية المستهلك حتى أن الإنسان ليشفق على نفسه من الأمل أو الوهم بتحميلها مسؤولية "حماية المستهلك".
غير أن علاج استئساد وشراسة "هوامير" السوق وتلاعبهم بالأسعار، خاصة في المواد الضرورية، لا يمكن أن يوكل إلى جمعية حماية المستهلك وحدها، ولا أن تحمل المسؤولية عنه، إذ لابد أن يسهم المستهلك نفسه في هذا الجهد، باعتباره الضحية الأولى لكل فلس يضاف إلى أسعار المواد الأساسية في حياته اليومية. ولعل أفضل طريقة يمكن أن يسهم من خلالها جميع المستهلكين هي أن يقلص كل واحد مستوى استهلاكه الشخصي والعائلي، وأن يتجه لشراء السلع البديلة لتلك التي ترد أسماء منتجيها على "اللائحة السوداء للمتلاعبين بالأسعار". كما يتعين فتح الأسواق أمام المزيد من التنوع في المنتجات لكسر طوق الاحتكار التجاري الذي يختبئ أحيانا تحت لافتة الوكالات التجارية الحصرية. وعندما يسهم الجميع في هذه العملية ضمن حراك اجتماعي واسع وقابل للتطوير سيكون المضاربون بالأسعار ساعتها هم من يجري وراء المستهلك لكي يشتري منهم بالسعر الحقيقي العادل في حق الطرفين معاً.