من هو الذي يؤثر في حياتنا ومحيطنا؟ سؤال مهم وتشعباته عديدة، فما المقصود بالتأثير، وما هي المراحل التي نتأثر فيها؟ وما هي الجوانب التي نتحدث عنها هنا؟ وهل هو المجال الثقافي والعملي أم يشمل الروحاني وجوانب أخرى مرتبطة بالحياة اليومية المعاشة؟. وإذا كان هذا على الصعيد الفردي فماذا عن الصعيد الجماعي والمجتمعي، فمن هم الأشخاص المؤثرون في العديد من المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية والرياضية؟.
تناولت مجلة "نيوزويك" العربية هذا الموضوع في عددها الأخير وتساءلت عن المؤثرين في العالم العربي؟. وهذا التقليد الدارج في الصحافة الغربية بدأ يترسخ خطوة خطوة في الصحافة العربية وذلك من خلال "القوائم" كأشهر عشرة كتب أو أفضل عشرين فيلماً وما إلى ذلك من قوائم أخرى في مواضيع شتى. وشخصياً أجد في مثل هذه القوائم فائدة من حيث إنها تبسط لعالم عربي واسع، العديد من المواضيع وتثير عند القارئ والمتابع الرغبة في معرفة المزيد عن الأفراد أو عن المواضيع أو عن الكتب التي تضمها هذه القوائم. وقد ينتقد العديد من المثقفين هذا التوجه كجزء من ثقافة "التيك أوي" أو "السفري"، ولكن يبقى الواقع الذي يقول إن معرفتنا بالعديد من جوانب الثقافة العربية الشعبية والراقية ضئيل، وإنه في زمن النمو الكبير للخدمات الإعلامية والإعلانية فلا بد من بروز تغطية أكبر للأشخاص والأحداث على صعيد المنطقة العربية.
ونعود إلى قائمة "النيوزويك" التي تتضمن 42 شخصاً مؤثراً في العالم العربي. ويتصدر الفنانون القائمة، ولا غرابة في ذلك. فعدد الذين يعرفون نانسي عجرم ويحيى الفخراني (وهم في قائمة الاثنين وأربعين) يتعدى عدد من يعرف رشيد بو جدرة وزها حديد. كما أن تصدر الفنانين للتبويب الذي عرضته المجلة يعكس واقعاً في الساحة العربية متمثلاً في انتشار الحفلات الغنائية والفضائيات الغنائية والعدد الكبير للمجلات الفنية وتلك التي تسمى مجازاً بمجلات الأسرة. وبعيداً عن الجدل حول ما إذا كان هذا الفن فناً هابطاً أم أنه راق ٍ، فالواقع أن هذا الجانب هو المسيطر على الثقافة العربية الشعبية ومؤثر على الذوق العام.
والقائمة تشمل العديد من الأسماء التي برزت في العديد من المجالات على صعيد العالم العربي، فتضم على سبيل المثال الكاتب أسامة أنور عكاشة والداعية عمرو خالد والشاعر محمود درويش والعداء هشام الكروج، وتضيف العديد من الأسماء التي تؤثر في محيطها العربي. ولعلها من خلال هذا العرض ستنشر شهرتها مثل ما انتشرت شهرة نانسي عجرم، ولا أقصد هنا التقليل من هذه الشخصيات أو التقليل من نانسي عجرم، فنحن هنا أساساً نبحث ظاهرة من هو الذي يحدث تأثيراً؟ ومن هذه الأسماء رموز نسائية كالتونسية راضية النصراوي واليمنية أمة العليم السوسوا، ورموز اقتصادية مثل العمانية هند بهوان ومجموعة من المحسنين والناشطين والتي تضم فتحت الجهمي ورجاء مكاوي. وبالمناسبة نجد أن القائمة لا تتسم بالذكورية بل تشهد جهود العديد من النساء ومجموعة من هؤلاء غير معروفين خارج محيطهم الجغرافي أو محيط نشاطهم المهني.
كلمة أخيرة لابد منها، وهي أن القائمة لم تنصف دولة الإمارات، فكان اسم الشيخة لبنى القاسمي وزيرتنا الطموحة يتيماً بين القائمة، وأجد في ذلك شيئاً من الإجحاف خاصة إن أخذنا في الاعتبار تأثير الإمارات ورجالها ونسائها في العديد من الجوانب التنموية والاقتصادية والخيرية والرياضية، ومع هذا لا يجب أن نأخذ الأمر بحساسية حيث إن مثل هذا التمرين الصحفي اجتهاد، وأعتقد أن القائمين عليه فاتتهم بعض التفاصيل.
يبقى أن مثل هذه القوائم وكما ذكرت تمرين صحفي جيد، نتعرف من خلاله على سيرة مختصرة للعديد من المؤثرين في محيطنا العربي ونكتشف سريعاً أن هناك العديد من الأسماء والجهود الطيبة والتي لا تتمتع بالتغطية الإعلامية التي تستحقها.