الصينيون تظاهروا ضد كتاب مدرسي ياباني، فأخذت الحمية بعض الكتاب العرب.. شحذوا الهمم، واستلوا سيف عنترة العبسي من غمده، مطالبين بخروج بني العرب الى شوارع المدن العربية، رافعين شعار "بالدم بالروح... نحميك يا تاريخ..".
هؤلاء الكتاب طالبوا الشعوب العربية، أسوة بالصينيين، بالخروج فرادى وجماعات، للتظاهر أمام السفارات الغربية في العواصم العربية احتجاجا على كتب التاريخ التي لم تذكر المذابح التي ارتكبت في الشرق العربي على أيدي الدخلاء. بالطبع نسي هؤلاء الكتاب أن تاريخنا الأسود، سيفتح علينا أبواب جهنم على مصاريعها للاحتجاج علينا من كل شعوب الأرض. فبعض كتابنا لا يعرفون سوى النظر بعين واحدة، أما العين الأخرى فهي مغمضة، لأنهم لا يقرؤون التاريخ جيدا، ولا يعرفون أننا كغيرنا من شعوب الأرض، بطشنا بالأمم وبالعالم شرقا وغربا. وأجزم أننا لو قبلنا بحكم الصينيين على الكتاب المدرسي الياباني، فإن ثلاثة أرباع شعوب العالم سيخرج متظاهرا ضد كل الكتب المدرسية التي ندرسها لأبنائنا. سوف يخرج علينا الإسبان ليحتجوا على ثمانية قرون من الاحتلال العربي لبلادهم. وعلى ما ارتكبناه بحق أرضهم وأبنائهم. سوف يخرج علينا الإسبان ليطالبونا بالاعتذار عن الاحتلال العربي الإسلامي لبلادهم، بل بتغيير حتى اسم بلادهم من إسبانيا إلى "الأندلس"!
وسوف يخرج علينا شعوب الهند والسند وبلاد ما وراء الأنهار والبحار والخلجان، ليلعنوا أسلافنا على الاحتلال العربي لبلدانهم إبان انتشار وتوسع الدولتين الأموية والعباسية. نحن احتللنا نصف الكرة الأرضية وقلبنا حقائق التاريخ الذي ندّرسه لأبنائنا فنقول لهم إن غزونا لهذه البلدان كان فتحا!. وإن احتلالنا لهذه البلدان كان لأجل تعميرها وبنائها!. ونريد من العالم أن يصدقنا ويقبل بتبريرنا بأننا فعلا احتللنا تلك البلدان والأمم والأمصار برضا أهلها وشعوبها. أليس هذا ما تقوله كتب التاريخ الذي ما زلنا نجترها ونلقنها لأبنائنا منذ عشرات العقود؟.
نحن أنقى شعوب الأرض، والآخرون أنجاس. نحن بشر والآخرون قردة وخنازير وقاذورات. تاريخنا ناصع البياض... وتاريخهم أسود من قطع الليلة المظلمة. أيامنا مشرقة... وأيام الآخرين في غاية القبح. إذا غزونا شعوبا وأمما فإن غزواتنا تتحول في كتب التاريخ بقدرة قادر إلى فتوحات. أما إذا غزتنا شعوب أخرى فإننا ساعتها نكون دقيقين جدا في اختيار الوصف، وسيتحول الغزو إلى غزو بالفعل. غزواتنا فتوحات وغزواتهم احتلال. وإذا احتللنا بلدانا ليست لنا كما حدث في عهد الدولتين الأموية والعباسية، فإن الغزو لا يسمى غزوا في كتب التاريخ في مدارسنا!
ونحن بهذا أخفقنا في تحصين شبابنا أمام أخطار الفكر الشوفيني الذي يعاني من عقدة "الأنا التاريخية" إن صح التعبير. بمعنى أنه يعتبر نفسه فوق الخلق لأن كتب التاريخ التي يقرؤها تكرس ذلك. ونحن بذلك نكرس مبدأ "الأنفة" ومن تضخيم الذات و"الأنا" وإلغاء الآخر وكأن الثلاثمائة مليون عربي والمليار مسلم الموجودين على وجه البسيطة أصحاب التاريخ العريق، والآخرين لا يساوون شيئا.
الكتاب العرب الذين دعوا إلى التعلم من الصينيين المحتجين على الكتاب المدرسي الياباني الذي يتجاهل ما فعله الاحتلال الياباني للصين، لا يعرفون أنهم سيفتحون علينا كل أبواب الجحيم لو قرأ العالم ما نقوله عن تاريخنا الأسود، المليء باحتلال الغير وإذلال شعوب الأرض، إن أربعة أخماس الأمم والشعوب ستطلب منا الاعتذار عما بدر منا كمحتلين وكجيوش غازية لبلدانهم قبل أن يضربونا ضرب غرائب الإبل، ومن ثم يطردوننا شر طردة من بلدانهم، كما طردنا من "الأندلس"... عفوا، أقصد من إسبانيا!؟