هل يحدث ونسمع قريبا صوتا يطالب بإلغاء وزارة التعليم ويكتب تاريخا جديدا للتعليم في الإمارات. لا أستبعد ذلك في ظل وجود شخصيات وطنية عديدة تفكر بشكل منفتح وبطريقة متقدمة جدا وعلى رأسهم الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الذي أكد في اللقاء الذي أعلن فيه عن فكرة مؤسسة الإمارات لتطوير التعليم على "أن التعليم في الإمارات يحتاج إلى ثروة وثورة". الثروة موجودة ولله الحمد وكل الإمكانيات مُسَخـَّرة للتعليم ولبناء الإنسان. ولكن تبقى "الثورة" التي تحتاج أولا إلى إرادة وعزيمة قوية ومن ثم تحتاج إلى رجال يؤمنون بها ويقومون بالسير في طريقها وتخطي كل العقبات التي تواجهها.
منذ أيام كلف معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التربية والتعليم مجموعة خبراء لدراسة أوضاع النظام التعليمي وإجراء عمليات رصد واسعة ودقيقة لجميع المشروعات التي نفذتها الوزارة في الفترة السابقة في إطار الرؤية 2020 ورصد المبالغ التي تكبدتها تلك المشاريع والتي بلغ مجموعها 261 مليون درهم لــ 26 مشروعا, وأثر هذه المشروعات على الميدان التربوي والطلاب وما حققته من نتائج.
واقع التعليم عندنا يقول إننا ما نزال إلى اليوم نستورد مناهج التعليم لطلبتنا. فجزء نأتي به من الشرق وجزء من الغرب وجزء آخر من ثقافة لا علاقة لها بثقافتنا ولا بحاجات مجتمعنا. واليوم صار من المهم أن نبدأ في صناعة مناهجنا من واقعنا ومن حاجة المجتمع وظروف المرحلة التي نمر بها, ويجب أن ندرك أن استيراد أي مناهج جاهزة لن يحقق طموحاتنا ولن يجعلنا راضين عن وضع التعليم في بلدنا...
والواقع يقول إن المعلمين هلكوا وتعبوا وهم يخدمون في مدارس وزارة التربية ويعملون بأقل الإمكانيات وبلا أية مساعدة حقيقية من الوزارة... اليوم سيفرح المعلمون كثيرا عندما يعرفون أن التعليم سيصبح خاصا وأن الروتين لن يكون له مكان في المدارس وأن الترهل وعشرات المدراء ووكلاء الوزارة الذين يعرقلون الأمور سيكونون بخير وهم بعيدون عن الميدان... وأن من سيتولى أمر التربية والتعليم هم أهل التربية والتعليم وليس موظفين لا علاقة لهم إلا بمصالحهم فيما التربية والتعليم هي آخر همومهم. لقد بقي المعلمون والمعلمات سنوات طويلة لا يشعر بهم أحد, والوزارة تقلل من شأنهم ومن دورهم, والمجتمع يرى أنهم مقصرون في حق عملهم.
قد تفعل الخصخصة في التعليم ما لم يفعله التعليم الحكومي طوال أكثر من ثلاثين عاما فقد نعيش ونرى اليوم الذي يردد فيه الطالب من علمني حرفا صرت له عبدا وتعود للمعلم هيبته واحترامه ودوره المفقود الذي لم يبق منه أي شيء إلا قليل من الاحترام أثناء الحصة الدراسية.
وبعد أن أفرغت الوزارة من كل دور تربوي لها على مدى السنوات الماضية قد تأتي الخصخصة وتعيد للمدرسة دورها التربوي المهم والذي لا ينفصل عن التعليم بأي شكل من الأشكال. فما الفائدة أن نخرج عباقرة بلا تربية وبلا أخلاق وبلا قيم وبلا مبادئ؟! إن العلم بلا أخلاق هو علم ضار لا ينتج عنه إلا شر وخراب.
ما زلت مؤمناً بأن ما يزال لدى الشيخ محمد بن زايد الكثير, والاجتماع الذي كشف فيه عن مؤسسة الإمارات, أظهر مدى معرفة الشيخ محمد بوضع المجتمع وما يحتاج إليه المواطن والوطن. ومهم أنه أوصلنا إلى قناعة وهي أن القضية المهمة والتي تشغل بال سموه هي التعليم وما يسعى إليه هو خلق جيل من المبدعين والمبتكرين والمجتمع بأسره يجب أن يقف إلى جانب سموه في هذا الهدف ولتحقيق هذا الحلم.
مؤسسة الإمارات لدعم وتطوير التعليم من خلال الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص التي أعلن عنها الشيخ محمد بن زايد قد تكون الخطوة الحقيقية الأولى إلى خصخصة التعليم وبالتالي إلى إصلاح التعليم وبالتالي إلى دخول مرحلة جديدة من التعليم في الإمارات... مرحلة تتميز بحرفية عالية في التعليم وقدرة كبيرة على مسايرة التطورات التي تحيط بنا, على أن يكون التعليم جزءا من العملية المكملة لبناء الوطن وأن تساهم في خلق المواطن والإنسان الصالح الذي تكون الاستفادة منه أكبر وأشمل وأسرع ولا يحتاج إلى إعادة تأهيل عدة مرات قبل أن يدخل سوق العمل.
الأرقام المعلنة منذ فترة ليست بالقصيرة, وتقول إن الطالب يكلف الدولة تقريبا 11 ألف درهم سنويا ونحن لدينا سنويا 200 ألف طالب وطالبة يدرسون في مدارس الوزارة وهذا يعني أن هناك مبلغاً يقدر بـــ 2200000 درهم يزيد أو ينقص قليلا عنه, تصرفه الدولة سنويا على كل الطلاب.. أما باقي ميزانية وزارة التربية فهي على الرواتب والمصروفات الإدارية!
أما تكلفة الطالب طوال الاثني عشر عاما التعليمية فلا تتجاوز 132000 درهم. ورغم أن هذا المبلغ زهيد جدا إلا أن كل تلك المبالغ يمكن أن نضعها في مكانها الصحيح لتخريج طلبة متميزين ومواطنين صالحين, وتعليم يحمل مقومات النجاح البسيطة, ولا يكون تعليما فاشلا ومخرجاته ضعيفة.
في حالة الخصخصة فإنه كما يختار الآباء حاليا الجامعة الجيدة لأبنائهم ويسجلونهم في