قبل عام من الآن تقريباً كانت أوروبا تعمل على وضع بعض الحركات الإسلامية على قائمة الإرهاب التي تصدرها، فقد كانت هذه الحركات يومها تمثل بالنسبة لأوروبا الخطر القادم، وقد وضعت بعضها على قوائمها الإرهابية فعلاً.
وكان يتم اعتقال البعض لأسباب مضحكة وواهية، وكانت كل الممارسات التي ترتكب بحق المسلمين هناك مبررة تحت عنوان مكافحة الإرهاب. وفجأة تفتح أوروبا حواراً مع هذه الحركات التي نظرت إليها بالأمس على أنها راعية للإرهاب، فيما هي في الحقيقة ضحيته الأولى، وتبدأ حواراً مع عدد من الحركات الإسلامية التي وصفت بالاعتدال وموضوعية الطرح، وتجاوزت كل الحكومات العربية التي كانت إلى الأمس تدفعها نحو الصدام مع هذه الحركات، وتطلب منها اجتثاث جذور ما يطلق عليه الإسلام السياسي. لقد وجدت أوروبا أن الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي تحظى بتأييد كبير، ومن هنا فقد رأت أوروبا أن خيار الإلغاء والإقصاء والتجاهل والتهميش لم يعد نافعاً في عرقلة تقدم الإسلام السياسي نحو السلطة، وبالتالي فإن البديل هو محاورة هذه الحركات صاحبة الطرح السياسي للوصول إلى إمكانية تفاهم على قواسم مشتركة معها.
وأما عن الهدف الأساسي من دخول كل من أميركا وأوروبا في حوار مع الحركات الإسلامية، فيتلخص في وضع حد لحالة الغلو والتشدد التي تجتاح العالم الإسلامي والناجمة عن ممارسات الغرب عموماً، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تهدف إلى تخفيف الهجرة العربية والإسلامية إلى أوروبا وأميركا لما لذلك من انعكاسات على تغيير الواقع الديمغرافي السكاني لهذه البلدان، وذلك من خلال فرض عملية حوار مواز على الحكومات مع هذه الحركات حتى تكون الأرضية صالحة ومهيئة لعيشها في أوطانها وهذا ما سنلحظه في الأسابيع القادمة.
صحيح أن أوروبا تريد الحوار لمصلحتها، وصحيح أن الحذر ينبغي أن يرافق الحوار معها، ولكن الصحيح أيضاً أن محاورتها على قاعدة الاعتدال قد تفتح الطريق لعالم آمن وإن كنا لا نحسن الظن بنوايا استجدت وذهنية ولدت من جديد.
وائل نجم – بيروت