أكثر ما يميز الأداء بين القطاعين العام والخاص أن الأول يقدم الخدمة ويشعرك بذلك قولا وفعلا، وعليك أن تقدم له فروض الولاء والشكر وأن تصطف في الطابور انتظارا لها، أما القطاع الخاص فيبيع الخدمة وبمبلغ ربما يفوق قيمتها المادية ولكنه يقدمها إليك مبتسماً ويشعرك بأنك أنت الذي تسدي إليه "خدمة" ويقنعك بأن تفتح جيبك وتمنحه قيمتها وأنت راض ومبتسم وربما تفكر في تكرار الزيارة لروعة الخدمة ذاتها أو لروعة من يقدمها، لا فرق ما دامت النتيجة واحدة!.
وحينما تبادر مؤسسة مثل "صندوق الزواج" إلى إعداد دراسة لتمويل ميزانية الصندوق جزئياً عبر مساهمة المواطنين بجزء ضئيل جداً من رواتبهم, فإن هذا أمر إيجابي يحظى بشبه إجماع لكونه يحقق هدفاً يرتبط بتعزيز التكافل الاجتماعي كقيمة إنسانية نبيلة ويسهم في تعميق الروابط الإنسانية بين الأجيال وبين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية. ولكن التسريبات التي صدرت عن الصندوق للإعلان عن هذه الدراسة تبدو "مستفزة" وتفتقر إلى عامل "التسويق" وفنون العلاقات العامة التي تلعب دوراً حيوياً في قبول أي قرار أو رفضه. حيث يشير الخبر المنشور حول هذه الدراسة إلى أنها تستهدف "اقتطاع جزء من رواتب موظفي الحكومة المواطنين لمصلحة صندوق الزواج". وهذه الفقرة بالذات تكفي كدراسة حالة للأسلوب الاستفزازي في جلب الاستنفار الشعبي لأي قرار أو توجه جديد. صحيح أن الأسلوب يعبر بدقة "لغوية" عن الهدف، ولكنه يفتقر تماماً إلى عوامل القبول النفسي رغم حاجته الشديدة إلى ملامسة القلوب قبل العقول. ففكرة الاقتطاع من الرواتب تثير حفيظة من يقرؤها أياً كان حجم المبلغ المقتطع لكونها تعبر عن نوع من الإجبار والقسر، بينما قد يوفر مدخل نفسي آخر مزيداً من القبول الشعبي للفكرة، علماً بأنها في الحالتين يمكن أن تجد طريقها إلى التنفيذ لكن مع اختلاف الحالة المزاجية تجاهها بين الدفع ممزوجا بالضيق أو الدفع ممزوجاً بالترحيب وشتان الفارق بينهما.
الأفكار والمبادرات من هذا النوع تنطوي على أهداف ايجابية ولكن يبقى نجاحها في تحقيق أهدافها رهن "تسويقها" واللمسات الإنسانية التي تضفي عليها نوعاً من القبول الاجتماعي، فالمسألة لا تتعلق فقط باستصدار قرارات رسمية، ولكن أيضاً بضمان قبولها وتسويقها بما يضمن تحقق الهدف الأسمى الذي يفوق القيمة الرمزية للمشاركة المادية، وهو إعلاء قيمة التكافل الاجتماعي والمبادرات المجتمعية في تحقيق حلم الاستقرار المشروع لشبابنا. فالإعلام والتسويق باتا صناعة احترافية تمتلك قدراً هائلا من المقدرة على تشكيل الاتجاهات وبناء التصورات وصياغة القناعات، وتتعاظم هذه المقدرة فيما لو حظيت بمساندات من مؤسسات التنشئة الاجتماعية.
إن مساهمات المواطنين بجزء من رواتبهم يمكن أن تكون بداية لحملة وطنية مدروسة تشارك فيها مختلف المؤسسات والجهات المعنية والقطاع الخاص لدعم ميزانية "صندوق الزواج" والقضاء على غلاء المهور وبناء رأي عام واع تجاه هذه القضية التي تثير قلق شبابنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية