لعدة شهور ظل الأعضاء الجمهوريون والديمقراطيون الكبار في مجلس الشيوخ الأميركي، يحثون الرئيس بوش على التحدث علانية وبأمانة إلى الشعب الأميركي حول الموقف العسكري في كل من العراق وأفغانستان، والتكاليف المادية للحرب على الإرهاب· وبسبب هذا الضغط، وانخفاض نسبة التأييد له حسب نتائج استطلاعات الرأي ، والتفجيرات الأخيرة في العراق، شعر بوش بأن الواجب يملي عليه أن يدلي بخطاب للأمة بتاريخ 7 سبتمبر· في هذا الخطاب طلب الرئيس من الكونجرس تخصيص مبلغ 87 مليار دولار إضافي للصرف على العراق مع تخصيص نسبة ضئيلة من هذا المبلغ لأفغانستان· ومثلت المطالبة بهذه المبالغ الضخمة صدمة للشعب الأميركي، كما كانت في الوقت نفسه مؤشرا على أن الأمور لا تمضي على النحو المأمول·
سوف يحصل بوش على ما يريده من أموال، ولكنه سيدفع ثمنا سياسيا باهظا مقابل ذلك· وقد بدأت البوادر بالفعل كما يتبين من النقد الشديد الذي يوجه حاليا للقيادة المدنية لـ البنتاجون بسبب أسلوب تخطيطها وتعاملها مع عراق ما بعد الحرب· فكل من دونالد رامسفيلد و بول وولفوفيتز اللذين كانا حتى فترة قريبة مهندسي الحرب اللذين لا يجرؤ أحد على المساس بهما، يواجهان الآن أصواتا تطالب باستقالتهما من منصبيهما· إضافة إلى ذلك هناك إشاعات تتردد عن أن دوجلاس فيث وكيل وزارة الدفاع لشؤون التخطيط السياسي سيستقيل من منصبه عما قريب· وحتى كوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي التي تحظى بتوقير شديد واجهت ملاحظات قاسية على أدائها بشأن العراق· وقد لوحظ أن بوش قد قام بالاستغناء عن جميع مستشاريه الاقتصاديين العام الماضي عندما واجه الاقتصاد الأميركي بعض المتاعب التي جعلته يتعثر في سيره · في هذا الوقت تساءل منتقدو الإدارة : هل سيقوم بوش أيضا بالاستغناء عن أي عضو من أعضاء فريق السياسة الخارجية الفاشل الذي يعمل معه؟ · سيكون من الصعب على بوش أن يتخلص من أي من أعضاء فريقه في القريب العاجل، لأن ذلك سيكون بمثابة اعتراف بالفشل· علاوة على أنه ليس هناك أحد من أعضاء فريق بوش قد خرج حتى الآن عن النص الذي يقول إن كل شيء في العراق تحت السيطرة، وإن هناك تقدما يجري تحقيقه·
وفي الوقت الذي تحتدم فيه المناقشة بشأن من الذي يجب أن يتحمل اللوم عما يحدث في العراق بعد الحرب، فإن مبلغ السبعة وثمانين مليار دولار الذي طالب به بوش ، سيتم تخصيصه لأنه لا يوجد أحد في الكونجرس على استعداد لحرمان القوات الأميركية التي تقوم بواجبها من متطلباتها من الأموال· بيد أن ما أود قوله هو إن تخصيص هذا المبلغ من المال سيؤدي إلى حدوث تداعيات عميقة لا يمكن التنبؤ بمداها بالنسبة للاقتصاد الأميركي· وعلى بوش أن يواجه حقيقة أن تخصيص هذا المبلغ للعراق وأفغانستان سيفاقم من عجز الميزانية الفيدرالية للولايات المتحدة الذي يقارب مبلغ الـ500 مليار دولار· علاوة على ذلك فإن الأمر سيستدعي تقليص برامج الإنفاق المحلي وهو ما سيكلف بوش سياسيا حيث لن يكون بمقدوره حينئذ إجراء المزيد من الخفض الضريبي· في الوقت الراهن لا توجد لدى واشنطن الأموال اللازمة للإنفاق على برامج الرعاية الصحية وبرامج الإصلاح التعليمي، وهي البرامج التي اعتقد بوش أنها ستمثل حجر الزاوية في سياسته الداخلية، وأنها هي التي ستعزز من شهرته كرئيس محافظ يتمتع بقلب عطوف·
وقد انعكس العجز في الميزانية الداخلية في صورة زيادة في العجز التجاري الأميركي مع بقية العالم والذي يصل الآن إلى 600 مليار دولار·
أما الاقتصاد الأميركي بشكل عام فعلى رغم أنه يتعافى حاليا نتيجة لارتفاع معدل الإنتاجية، إلا أن ذلك لم يكن له مردود من ناحية خلق وظائف جديدة وهو الموضوع الذي يمثل مشكلة سياسية كبيرة للجمهوريين·
مما لا شك فيه أن إدارة بوش تواجه أزمة ولكنها تحاول أن تتظاهر بالشجاعة· فبعض من كبار مؤيديها في الصحافة يوجهون إليها الآن انتقادات علنية بسبب سياستها في عراق ما بعد الحرب· فمجلة ويكلي ستاندارد وهي مطبوعة تعبر عن فكر المحافظين الجدد ، انتقدت ما أسمته عناد رامسفيلد ورفضه زيادة عدد قواته في العراق، على رغم أن ذلك هو الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للولايات المتحدة السيطرة على زمام الأمور، وتجنب تسليم بعض سلطاتها للأمم المتحدة· علاوة على ذلك نلاحظ أن النبرة الأحادية الواثقة التي طبعت خطاب السياسة الخارجية قد اختفت ، كما اختفت الثقة التي ظهرت على بوش وهو يلقي خطاب النصر على ظهر حاملة الطائرات إبراهام لينكولن ليحل محلها خطاب يتسم بعدم اليقين، وإيمان متجدد بجدوى التعاون والتعددية· وبالنسبة للكثيرين من الذين أيدوا الحرب للإطاحة بصدام حسين ولكنهم انتقدوا الطريقة التي عالجت بها إدارة بوش المسألة، فإن تغير موقف الإدارة الأميركية هذا يمثل خبرا جيدا، خصوصا في الظروف الحالية التي تعتبر -فيما عدا ذلك- ظروفا تدعو إلى التشاؤم·