بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار المعسكر الاشتراكي، لم تعد ثمة خيارات متعددة في مجال الأيديولوجيا السياسية، لتصبح الرأسمالية والليبرالية خياراً وحيداً أمام كثير من البلدان، خاصة تلك التي جربت الاشتراكية ولم تحصد سوى التخلف وتعثر خطى التنمية. لكن الغرب الرأسمالي روج خلال العقد الماضي لمفهوم جديد هو "العولمة" ليكون إطاراً حاضناً لكل الرؤى الرأسمالية والليبرالية بما فيها حرية التجارة وفتح الأسواق وتشجيع التعددية السياسية واحترام حقوق الإنسان وتشجيع الحكم الصالح وتفعيل معايير الشفافية. غير أنه قد بدا واضحاً أنه من الصعب المضي قدماً في اتجاه العولمة، خاصة في مجالات حرية التجارة. على سبيل المثال هددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة طوفان المنتجات الصينية الذي يجتاح الأسواق الأوروبية والأميركية، وذلك بعد انتهاء العمل بنظام الحصص مطلع العام الجاري، والذي كان بمقتضاه يتم تحديد كمية معينة من المنتجات التي تصدرها الصين إلى أوروبا وأميركا.
هذه التهديدات تعكس تخوفاً أميركيا وأوروبيا من مخاطر العولمة، فالصين وغيرها من القوى الصاعدة، ستزعج الولايات المتحدة وأوروبا، وخاصة أن النفوذ الاقتصادي سرعان ما سيتحول إلى نفوذ سياسي وعسكري، لأنه من الصعب حماية المصالح الاقتصادية الصينية دون دور سياسي فاعل وقوات مسلحة قادرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية. بكين تدرك جيداً أنها مستهدفة من الغرب، وأن نموها الاقتصادي سيشكل عاجلاً أم آجلاً قلقاً للقوى الدولية التي لا تزال تمارس نفوذها في شمال شرق آسيا.
من الواضح أن النفوذ الصيني المتنامي سيجعل الغرب يتراجع عن تنفيذ سياسات تحرير التجارة، لا سيما وأنها ستفيد الصين وتمكنها من مواصلة النمو، وساعتها يمكن القول إن السحر قد انقلب على الساحر، وإن موقف الغرب أصبح كموقف الدول النامية التي لا تزال تبحث عن استثناءات في مسألة حرية التجارة.
أحمد عادل- القاهرة