عقدة الخليج العربي... الفارسي
فجأة ودون سابق إنذار قررت إيران معاقبة كل من لا يذكر اسم "الخليج" غير مقترن باسم "الفارسي"، وكأنها تناست كل مشكلاتها الداخلية والخارجية وتوجهاتها السياسية المضطربة وسلوكها العدائي، وتذكرت فجأة أن الحل السحري يكمن في التمسك بهذ الاسم، أو ربما يكون ذلك بهدف إعادة تذكير العرب بمآسي الفرس وعدائهم المستمر لهم، أو ربما لتؤكد أن الإسلام بسماحته ووسطيته، وبنجاحه في التقريب بين ضفتي الخليج، يقف حجر عثرة أمام طموحات الهيمنة والسطوة لإيران الفارسية، وبات "الإسلام" لا يمثل لإيران سوى جزء من اسمها الرسمي فقط، مثله مثل الجماهيريات "الاشتراكية العظمى".
ففي ظل زخم الأزمة الثلاثية المتصاعدة بين إيران وأوروبا والولايات المتحدة الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني، والنقاش الدائر حول احتمالات تعرض إيران لضربة عسكرية قد تأتي من إسرائيل أو أميركا أو كلتيهما، تتذكر إيران اسماً تاريخياً للخليج، وتعلن تمسكها به، متناسية كل التطورات في المنطقة، وضاربة بالوجود العربي لدول الجوار السبع العربية على الضفة الأخرى من الخليج عرض الحائط، وينعقد "مجلس أمنها القومي" ليقرر إلزام الجميع بالتسمية الفارسية للخليج، والامتناع عن ذكر أي عبارة أو عنوان يحمل اسم "الخليج" فقط، والامتناع عن تسجيل أي شركة أو مؤسسة أو مكتب أو محل تجاري لا يحمل اسم "الخليج الفارسي".
فهل يمثل اسم "الخليج العربي" عقدة "نفسية-سياسية-استراتيجية" مركبة لإيران؟ ولماذا الإصرار الآن على إثارة الموضوع والتشدد العصبي في التمسك به؟ ولماذا سكتت إيران "دهراً" عن هذا الموضوع ثم نطقت "كفراً"؟ وأين ذهبت دعوات إيران لتحسين العلاقات مع محيطها العربي الخليجي؟ أسئلة كثيرة وغيرها أثارها الموضوع من ناحيتي الوقت وأسلوب التعامل معه.
من المعروف أن حكام إيران الحاليين من نسل العرب العائد إلى الإمام الحسين والإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما وأرضاهما، لذلك فلا يوجد محل للنزعة الفارسية أو محاولة التذكير بها، كما أن مقاطعة خوزستان الإيرانية، كانت تسمى إلى سنوات خلت من قبل الفرس أنفسهم "عربستان"، أي بلاد العرب، وقد سكنها العرب قبل الإسلام. وتغيير الاسم لا يمكن أن يطمس الحقائق الجغرافية.
والحقائق التاريخية تؤكد على عدم ثبات اسم "الخليج الفارسي"، فقد سُمّي الخليج بالفارسي في زمن الامبراطورية الفارسية. أما في عصر الدولة الأموية فكان يسمى بـ"خليج البصرة"، وفي عصر الدولة العباسية سمي بـ"الخليج الصغير" أو "البحر الصغير". ومن الثابت تاريخياً أن المسميات تتغير وفق العلاقة بين سُنة الجغرافيا وتطور الزمن، فالبحر الأحمر كان يسمى بحر القلزم، والمحيط الأطلسي كان يسمى بحر الظلمات، فلماذا لا يكون اسم الخليج هو الخليج العربي؟ خاصة أن الساحل العربي المطل عليه أطول من الإيراني، وفي ظل وجود خمس عواصم عربية خليجية ومدن وقرى وموانئ تطل عليه أضعاف المدن والموانئ الإيرانية على الجهة الأخرى، كما أن الاسم عادة يقرره سكان الضفتين، ولا يستدعي التعصب أو التشدد أو التطرف في التمسك باسم معين، ومحاولة فرضه.
لماذا تتاجر إيران الآن باسم الخليج "الفارسي"؟ سؤال أطرحه على كل من يحاول أن يفهم السياسة الإيرانية في المنطقة أو من سعى للدفاع عنها، والإجابة ببساطة تكمن في أحد الأسباب الآتية أو بعضها أو جميعها:
- النعرة القومية والطائفية التي تكمن وراءها مصالح سياسية واقتصادية خاصة، ومحاولة فرضها على دول المنطقة.
- التأكيد على أن إيران الفارسية لا تمت بأي صلة للمسلمين العرب أصحاب الإرهاب ونزعات التطرف.
- إن امبراطورية فارس قادمة لا محالة، فلا مفر من الاعتراف بهيمنتها وسطوتها من الآن.
- التذكير بالتوجهات العدوانية الإيرانية وإصرار إيران على تحقيق أهدافها ومصالحها على حساب الآخرين.
- إن إيران الفارسية لا تنسى عداءها الرئيسي للعرب والمسلمين السنة، ولن تتخلى عنه مهما طال الزمن.
- إن ما تقوم به إيران حالياً من محاولات التقارب مع العرب وتحسين العلاقات هو نتيجة للظروف الراهنة التي تتعرض لها إيران، لذلك فإنها لا تخرج عن كونها غطاء لكراهية الفرس للعرب.
- إذا أرادت دول الخليج العربية أن تتعامل مع إيران فعليها أن تتذكر دائماً أنها تتعامل مع "قوة إقليمية عظمى" ورثت الإمبراطورية الفارسية، لذا فعليها السمع والطاعة والانصياع لمطالب إيران.
- إن إيران وريثة الإمبراطورية العظمى لن تتخلى بسهولة عن طموحاتها مهما كان الثمن في مواجهة القوى العظمى.
- فرض إرادة الجمهورية الإسلامية على كل من يتعامل معها.
- إن الإمبراطورية الأميركية التي أضحت إحدى دول منطقة الشرق الأوسط، تجاور إمبراطورية أخرى هي "الإمبراطورية الفارسية"، وعليه يجب أن يتفاهم زعماء الإمبراطوريتين من دون تدخل من أحد مع الاتفاق مبدئياً على تقاسم مناطق النفوذ.
تلك بوضوح الأسباب التي دفعت حكماء إيران للتمسك بعقدة مسمى الخليج، ولا حاجة لتوجيه أي لوم لهم لأن ما أفصحوا