مجلس الجامعة طلب من المجلس الانتقالي الإسراع بالتحرك نحو استعادة العراق استقلاله وإنهاء الاحتلال وتقرير الشعب العراقي مصيره بنفسه· وعلى رغم أن هذه خطوة إيجابية بذاتها إلا أنها تظهر أنه ليس بيد الدبلوماسية العربية الجماعية ما تفعله للتأثير على المستقبل السياسي للعراق بما في ذلك تحقيق الغايات التي نص عليها قرار مجلس الجامعة سوى أن تطلب من مجلس الحكم الانتقالي أو من العراقيين أنفسهم تقرير مصيرهم بسرعة·
وبذلك تعود الدبلوماسية العربية من حيث المضمون إلى الحلول اللغوية البحتة نفسها -والتي تخلو من المضمون السياسي الفعلي-للمشكلات القومية· وتكون قد أعفت نفسها من القيام بدور محدد ومباشر في الدفاع عن عروبة واستقلال العراق ناهيك عن واجبها في نقل العراق إلى وضع ديمقراطي وهو الوضع الوحيد الذي يمكن إنقاذ العراق من خلاله· يبدو الحل اللغوي للمعضلة في افتراض أن الشعب العراقي قادر في اللحظة الراهنة على إنقاذ بلاده بنفسه بسهوله وبدون مساعدة قوية من المجموع العربي ومن المجتمع الدولي· ولو أن الأمر كذلك لكان الشعب العراقي قد تمكن من إنقاذ نفسه من نظام صدام حسين ومن ثم من العدوان الأميركي الذي وقع عليه·
ويقول الواقع إن الأمر لم يكن كذلك· والسبب هو أنه لم تتوفر للمجتمع العراقي الآليات المؤسسية أو القوة السياسية الضرورية للتصدي للبطش المروع الذي مارسه ضده النظام السابق· والأهم أن هذا الحل اللغوي يتجنب تفهم المعضلة السياسية العميقة التي تواجه العراق الآن· وجانب من هذه المعضلة يتمثل في العدوان والاحتلال الأميركي· ولكن الجانب الآخر هو أن التوزيع الفعلي للقوة داخل العراق لا يتيح انتقالا سهلا إلى الديمقراطية أو إعادة تأسيس الدولة العراقية كدولة للحق والقانون· ولو أن الأميركيين انسحبوا فورا لن تكون هناك ضمانات حقيقية لتجنب الحرب الأهلية أو عدم عودة نظام مماثل للنظام السابق· بل ولن تكون هناك ضمانات حقيقية للحيلولة دون صوملة العراق أو سيادة الفوضى والعنف فيه·
ويصبح السؤال هنا هو: من يحل محل القوة العسكرية الأميركية؟·
مجرد طرح هذا السؤال يعني أن الموقف القائل بعدم إرسال قوات عربية إلى العراق ينطلق من الميتافيزيقا السياسية نفسها التى عوملت بها كل قضايانا العربية اِلأخرى·
فإذا لم تكن هناك قوة عسكرية في العراق قادرة على تأمين عملية بناء الدولة فإن الموقف الدبلوماسي العربي ينتهي إلى أحد أمرين: إما أن العرب يطلبون من الولايات المتحدة فعليا أن تقوم بتأمين عملية بناء الدولة العراقية من جديد وهو ما يتناقض مع عدم الثقة فيها· وحتى لو توفر عامل الثقة يكون العرب قد اكتفوا بألا يفعلوا شيئا لمساعدة الشعب العراقي على تجاوز محنته الراهنة· أو أن العرب يقبلون بالمخاطرة الكامنة في سحب القوات الأميركية بأقصى سرعة وترك الأمور تتطور إلى كافة الاحتمالات بما فيها احتمال الحرب الأهلية والتي قد تنتهي إلى أسوأ المخاوف مثل تقسيم العراق أو استمرار الفوضى والعنف كما يجري منذ عام 1989 في الصومال·
يقودنا المنطق للكشف عن نقطة الضعف القاتلة في الموقف العربي السابق والراهن· فإذا شاء العرب أن يفعلوا شيئا للعراق يتجاوز الأمنيات الطيبة فيجب أن يكون لهم رصيد قوة على الأرض· وطالما أنهم يمتنعون عن إرسال قوات فلن يكون لهم هذا الرصيد· ولكن الموقف الذي يعارض إرسال قوات عربية لا يخلو من وجاهة· هذا الموقف يستند على حجج مختلفة تماما من حيث بنائها المنطقي ونتائجها العملية· فهناك من ينطلق من منطق أن إرسال قوات عربية في إطار الواقع الحالي قد لا يؤدي سوى إلى التواطؤ مع وتقديم دعم مجاني لنظام الاحتلال الأميركي· ويبدو أن هذا هو المنطق الذي يقول به التيار الرئيسي للسياسة العربية· ولكن هناك منطقاً آخر تماما يقول إن وجود قوات عربية يكون دورها هو المساعدة على حفظ السلام في العراق قد يؤدى إلى اشتباكات عسكرية مع عراقيين -مثل عناصر ما يسمى بالمقاومة العراقية- وهو ما يعني أن العرب قد يهدرون دم عراقيين والعكس· ثم إن هناك منطقاً يقول إن تواجد قوات عربية يعد تدخلا في شؤون العراق الداخلية·
والواقع أن هذه الحجج لا تقف على أرضية صلبة· كما أنها تتوقف عند الجوانب السلبية من الموضوع· فحجة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لا تصمد للمناقشة· فالهدف السياسي من إرسال قوات عربية هو المساعدة على تأمين عملية إعادة بناء الدولة التي يحدد ركائزها وطبيعتها العراقيون أنفسهم· ثم لماذا يسمح بتدخل الأميركيين مع 22 دولة أخرى بينما لا يسمح بتدخل العرب؟ والواقع أن من ينصح بعدم إرسال قوات عربية على الإطلاق هم هؤلاء الذين لا يريدون أن تكون للعرب أية كلمة مؤثرة على المستقبل السياسي للعراق·
وهناك من يخشى أن يكون الموقف العربي معاديا للديمقراطية في العراق· ويستند هذا التحليل على اعتبارات شكلية محضة· فإذا كانت النظم العربية غير ديمقراطية في بلادها فلن تكون لصالح الديمقراطية في العراق· ولكن هذا المنطق يتجاهل سوابق تاريخية مهمة مثل اتفاق ال