هل نحن مسلمون في أميركا، أم مسلمون أميركيون؟ الفرق بين العبارتين قد يبدو فرقا في الصياغة اللغوية لأول وهلة، ولكننا عندما نمعن النظر فسوف نجد أن الانتقال من الوضعية الأولى إلى الثانية تطلّب ثورة عميقة، وإن كانت صامتة شيئا ما، قمنا بها نحن أفراد المجتمع المسلم في أميركا، خلال العامين الماضيين، وتحديدا منذ وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر·
النظرة السطحية قد توحي بأن الانتقال من الوضعية الأولى إلى الثانية سوف يهدد جوهر هوية ومكاسب المسلمين في أميركا، خصوصا إذا ما عرفنا أن الإسلام في العقد الماضي الذي سبق تلك الأحداث، كان من أكثر الأديان نموا في الولايات المتحدة الأميركية ·
في ذلك العقد وجد الزعماء المسلمون -الذين كانوا محبطين ومهمشين فيما مضى- أنفسهم وقد أصبحوا موضعا للاهتمام والتودد من قبل السياسيين الأميركيين ، ومن قبل وسائل الإعلام وحكومات الدول الأجنبية التي كانت تسعى إلى الحصول على تأييدهم، والاستفادة من نفوذهم·
وفي ذلك الوقت أيضا، اعتقد قادة المسلمين في أميركا أن الإسلام سوف يظهر نفسه بأفضل صورة ممكنة في هذه الدولة، وأنه سيحول أميركا التي هي قوة عظمى بالفعل، إلى مجتمع عظيم· ولم يقف الأمر عند ذلك حيث دفع التفاؤل بعض المسلمين إلى إعلان أن أميركا ستتحول يوما ما إلى دولة إسلامية·
في 11 سبتمبر 2001 تبخر هذا الحلم· فاليوم نجد أن وضع الحقوق المدنية في أميركا قد تدهور بشكل حاد بعد تمرير العديد من القوانين المناوئة للإرهاب، كما نواجه نحن المسلمون العديد من مظاهر العداء والتحيز من معظم فئات المجتمع الأميركي· علاوة على ذلك تتعرض حركة هجرة المسلمين إلى أميركا وحركة اعتناق الدين الإسلامي فيها إلى الخطر، كما أننا لم نعد نسمع أحاديث عن تحول أميركا إلى دولة إسلامية·
وعلى رغم كل ذلك نقول إن محاولة المسلمين في أميركا للتأقلم مع حقائق الواقع السياسي والاجتماعي خلال السنتين الماضيتين، قد أفرزت آثارا إيجابية وغير متوقعة بالنسبة للكثير من المسلمين· من تلك الآثار أننا وجدنا أنفسنا مجبرين على تغيير ذواتنا للتواصل بشكل أكثر ودا مع التيار الرئيسي من المجتمع الأميركي· فاليوم أصبح الكثير من المسلمين يدركون أن وطنيتهم الأميركية وليس هويتهم الإسلامية هي التي تتعرض للخطر· قبل أحداث 11 سبتمبر كان المسلمون في أميركا يركزون في المقام الأول على محاولة تغيير سياسة الولايات المتحدة الأميركية نحو فلسطين وكشمير والعراق· أما بعد ذلك اليوم، فقد أصبح تركيزهم الأساسي على العلاقات الداخلية، والحقوق المدنية، والعلاقات بين الأديان· واليوم نجد أن المسلمين في مختلف أنحاء الولايات المتحدة يقومون بجهود في هذا الاتجاه منها على سبيل المثال تخصيص أوقاف للصرف على إنشاء أقسام للدراسات الإسلامية في الجامعات الأميركية، وجمع الأموال لدعم الخدمات الاجتماعية للفقراء الأميركيين، وافتتاح المطاعم المجانية، والقيام بالحملات الإعلانية التي تقوم بتوصيل رسالة هي أن المسلمين الأميركيين هم أميركيون ومسلمون في الوقت نفسه -ولم يكن وضع كلمة أميركيين قبل كلمة مسلمين من قبيل الصدفة، وإنما كان أمرا مقصودا·
الأكثر أهمية من ذلك أن المسلمين في أميركا أصبحوا يدركون الآن مدى الانكشاف والهشاشة التي يتسم بها وضع الأقليات في المجتمع الأميركي، وبالتالي مدى حاجة تلك الأقليات إلى الديمقراطية والحقوق المدنية· فنظرا إلى أننا كنا نأخذ جنسيتنا الأميركية على أنها أمر مسلم به، فإننا لم نكن ندرك مزاياها وفوائدها· أما الآن وبعد أن تعرضت هويتنا الأميركية للخطر فإن الرغبة التي تحتدم في قلب كل مسلم في هذا البلد هي أن يكون وفيا لقيم أميركا الديمقراطية والعلمانية·
في الصيف الحالي قمت بإلقاء خطاب أمام مؤتمر الأئمة الذي عقد في واشنطن، كما قضيت أسبوعا في سييرا مع 400 مسلم أميركي، وأجريت حوارا مع نسبة كبيرة منهم·
باختصار يمكن القول إن معظم الزعماء المسلمين وأبناء المجتمع المسلم في أميركا تحدوهم الآن رغبة قوية في التغيير · فخلال تلك المؤتمرات والاجتماعات سمعت عبارات عاطفية تتردد على ألسنة المسلمين منها مثلا: أميركا هي وطننا ، لن نقبل بأن نكون غرباء في بلدنا ، الإسلام يقوم على الدعوة الحسنة والسلام وليس الصراع ، علينا أن نستعيد الإسلام الصحيح ونسترد عقول وقلوب الأميركيين · وعبارات كثيرة غيرها·
مما يؤسف له أن تجربة إعادة بناء الهوية الإسلامية تتم تحت ضغط، ولكنها يمكن أن تستمر -على رغم ذلك- كتجربة سامية عميقة المغزى· هذا التوجه لأنه في رأيي يمثل تجربة متسامية وذات مغزى· إن تداعيات الحادي عشر من سبتمبر قد حطمت بعض الأحلام، ولكنها أيضا أجبرتنا على إعادة التواصل مع الحقيقة والواقع، وعلى تعزيز وضعنا في المجتمع الأميركي·
ويجب علينا ألا نكتفي بذلك بل أن نعمل على تحقيق المزيد من التقدم· فنحن في حاجة إلى أن نوضح للأميركيين أن المسلمين في هذا البلد هم قوم خيرون وذوو أخلاق حميدة، يهتمون بالقضايا الإنسانية، التي تهم أميركا