عدا التوطئة والمقدمة وملحقاته الأخرى من قائمة الصور والبيبليوغرافيا والمختصرات وغيرها, يتألف هذا الكتاب من ثلاثة أبواب رئيسية قسمت إلى فصول وعناوين فرعية، تناولت في مجملها القضايا التالية. التطورات الراهنة: إعادة إعمار العراق والأمن الإقليمي, استقصاء تصاعد موجة العداء لأميركا في العراق ومستقبل العلاقات الأميركية- العراقية. الرؤية المستقبلية للعراق. وفي هذا الباب هناك محوران رئيسيان هما: السيناريوهات السياسية في عراق ما بعد الحرب, والسياسات الإسلامية في العراق إثر سقوط نظام صدام حسين. أما الباب الثالث المخصص لدراسة صناعة النفط, فتناول هو الآخر موضوعين رئيسيين هما: العراق في الخريطة الجديدة للدول المنتجة والمصدرة للنفط, وتداعيات ما جرى في العراق، على بقية الدول الخليجية المنتجة للنفط. إلى ذلك, فإنه لا يمكن القفز على المقدمة الرئيسية للكتاب بحكم تناولها لموضوع عوامل التغيير في العراق.
وعلى الرغم من أن الكتاب يقرر أن أكثر الأحداث أهمية في التاريخ, تظل مفتوحة عادة أمام الحوارات الساخنة, وأن شرعية شن الحرب الأخيرة على العراق, لا تزال مثاراً للجدل واختلاف الآراء, إلا أن الشيء الوحيد الذي يمكن الإجماع عليه، هو تحول الأنظار إلى داخل العراق, والأمل في رؤيته دولة مستقرة سلمية موحدة، وذات سيادة ووزن إقليمي ودولي. صحيح أن الكتاب قد صدر قبل عام من الآن, وأنه لم يمتد في تناوله بالضرورة, إلى التطورات الأخيرة التي أعقبت إجراء الانتخابات, وتشكيل الحكومة الجديدة وانتخاب الجمعية الوطنية التشريعية, وما إليها من تطورات مهمة على صعيد الجبهة السياسية الداخلية. غير أنه تناول مشكلات التحديات الأمنية التي تواجهها قوات التحالف الدولي بسبب تصاعد الهجمات والعمليات المسلحة التي ينفذها المتمردون هناك.
وضمن ما رصده الكتاب من مؤشرات تقدم أمني سياسي أحرز في عراق ما بعد الحرب, تشكيل مجلس الحكم العراقي في يوليو من عام 2003, باعتباره خطوة مهمة على طريق نيل الحكم الذاتي من قبل العراقيين. ورد الكتاب المقاومة التي يبديها التمرد, إلى جملة من الأسباب والدوافع منها, التطلع إلى تأسيس دولة إسلامية, السعي لاستعادة النظام البعثي السابق, مقاومة الوجود الأجنبي, بل وحتى ضعف وعدم كفاءة الخدمات المدنية التي توفرها سلطة التحالف المؤقتة للمواطنين العراقيين.
وفي بابه المعنون "إعادة إعمار العراق والأمن القومي" أشار الكاتب الدكتور باتريك كلاوسون إلى أن نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت حينئذ, تكشف عن تأييد كبير لمجلس الحكم العراقي, مقابل رفض استمرار الوجود الأجنبي هناك. أما الدكتور كينيث كاتزمان, فتناول من جانبه في بابه المعنون "السيناريوهات السياسية في عراق ما بعد الحرب" طبيعة تكوين مجلس الحكم الموالي إجمالاً للولايات المتحدة الأميركية, فضلاً عن مناقشة أهدافه الرامية في اتجاهها العام, إلى تحقيق نموذج الديمقراطية الليبرالية هناك. وعلى أية حال فإن الدرس الرئيسي الواجب تعلمه من تجربة دول المعسكر الاشتراكي السابق, في دول شرق أوروبا وغيرها من تجارب الدول الفاشلة, هو الحاجة العاجلة إلى ترسيخ دولة المؤسسات وحكم القانون, وما تتطلبه هذه العملية من إسراع في بناء مؤسسات المجتمع المدني.
إلى ذلك تذهب الدكتورة باتشيبا كروكر في بابها المعنون "استقصاء تصاعد موجة العداء لأميركا ومستقبل العلاقات الأميركية- العراقية" إلى أن إحدى القضايا المثيرة للقلق, هي أنه لم تكن تحدد سلطة مجلس الحكم العراقي ولا حدود مسؤولياته واختصاصاته, الأمر الذي أثر سلباً على مشروعيته ومصداقيته. كما لاحظت أن المدى الذي سينظر به العراقيون إلى المؤسسات الجديدة, على أنها مؤسسات وهيئات نيابية تمثيلية بحق, وأنها تجسد بالتالي أماني العراقيين وتطلعاتهم الوطنية, سيكون عاملاً بالغ القوة والأثر، في الحكم على مدى نجاح هذه المؤسسات نفسها. هنا ترى الكاتبة كروكر أنه لا ينبغي للولايات المتحدة الأميركية أن تبدو في صورة الدولة المهيمنة، التي ترسم للعراقيين مستقبلهم, وتحدد لهم ما يريدونه من منظورها الخاص, سواء على مستوى نوع الحكم الذي يتطلعون إليه, أم في طبيعة العلاقات التي ستقيمها دولتهم مع العالم الخارجي. ومن رأي الكاتبة أن هذه الزاوية هي التي ستحدد مدى نجاح ومستقبل العلاقات الأميركية- العراقية.
فمع أن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأميركية هو إنشاء حكومة ديمقراطية مستقرة في العراق, إلا أن الهواجس تسيطر على البعض في واشنطن، من احتمال بروز حكومة أغلبية شيعية في أي نظام ينتخب هناك ديمقراطياً. ومن رأي كاتزمان أن بروز حكومة كهذه, يعد أمراً حتمياً ولا مفر منه, بحكم الأغلبية الشيعية في البلاد, إلى جانب خبراتها وقدراتها السياسية المتراكمة عبر السنين. وإذا كان قلق واشنطن إزاء بروز حكومة ذات صبغة شيعية إسلامية في المنطقة, ناتجاً عن الخوف من أن ينشأ نظام في العراق, شبيه بذلك المتحكم في تصريف شؤون الحكم في الجارة إيران, فإن من ا