ما أن اشتد الضغط الأميركي والدولي والاقليمي على الرئيس السوري بشار الأسد, وتم الانسحاب السوري من لبنان, حتى بدأ البعض "يسن أسنانه" كما يقول المثل. وبينما كانت الضغائن والأحقاد نائمة مثل الفتنة, استيقظت, ولعن الله من أيقظها, فلا سوريا بحاجة الى مزيد من التوهان, ولا السوريون بحاجة الى قيادات قديمة تعاملت مع الشارع السوري واللبناني بأسلوب يشبه أسلوب الـ "بلطجية" وجاء خروجها من البلدين ولو بالقوة, لمصلحتهما وليس العكس.
لا يعني ما سبق, الدفاع عن النظام السوري الحالي وما يحدث فيه, إنما هو تعليق على كلام جاء على لسان الدكتور رفعت الأسد, الذي قرر قبل أسابيع أنه يريد العودة الى سوريا لتخليصها وتخليص شعبها من "التسلط" فجاءه الرد من دمشق أنه غير مرحب فيه, وأن دعوى قضائية بانتظاره لو فكر بالعودة.
ولم تستفزني العودة, بقدر ما استفزني توقيتها, والأسلوب الملتوي الذي صيغ به طلب هذه العودة. فهل يتوقع الدكتور الأسد أن يكون السوريون قد نسوا ما حدث؟ وهل يعني ابتعاده مع "الفرسان الحمر" - ميليشيا خاصة تابعة له- سنوات في ماربيا الإسبانية أن الناس لم تعد تذكر الرعب والتجاوزات والخطف والقتل الممهور بتوقيع هؤلاء "الفرسان"؟
والمشكلة أن الدكتور مُصرّ، لم يكتفِ بالرد الأول وها هو يدعو الشعب السوري الى" عزل سلطة الأمر الواقع"- وهنا سلطة ابن أخيه بشار- بـ"الطرق السلمية" كما حاول هو نفسه "عزل" سلطة أخيه بسلطة "سرايا الدفاع" و "الفرسان الحمر" "السلمية" أيام زمان!.
غريب أمر الرجل, وهل يعتقد ولو للحظة أن الشعب السوري الطامح للحرية والديمقراطية, سيستبدل "أمراً واقعاً" بـ"أمر واقع", عاث في الشام وحماة وحمص وبيروت رعباً, وفساداً.
على ماذا يراهن الدكتور رفعت الأسد؟ أعلى شعبيته؟ أم على جزء من الجيش؟ أم على ميليشياته الخاصة, وقد حلت؟ أم أنه يحاول إسماع صوته الى الأميركيين ليستعملوه ورقة ضغط ضد ابن أخيه على الرغم من أنه "أكد أن ليس لديه اتصالات شخصية مع الولايات المتحدة"؟
في آخر بياناته, الذي صدر قبل أيام, والذي يشبه البيان رقم واحد يقول الدكتور رفعت الأسد: لِمَ لم نجد كل أشكال الحوار مع سلطة الأمر الواقع, عقدنا العزم على عزل هذه السلطة بشكل تدريجي وبـ"الطرق السلمية" معتبرا أن سوريا تجتاز "أخطر المراحل". كذلك اعتبر أن الطريق الوحيد لإخراج سوريا من هذا الوضع العصيب هو إجراء مصالحة وطنية.
هذه السلطة التي يتحدث عنها الدكتور رفعت الأسد هو جزء منها, ويتمنى أن يعود اليها, أو يسترجعها ليتمسك بها, لأنه ذات يوم اعتبرها من حقه, ودفع ثمن هذه اللعبة السياسية العسكرية, غربة طويلة بعيداً عن سوريا. أما "الطرق السلمية" التي يتحدث عنها فأعتقد أنها مجرد تعبير من قاموس الموضة السياسية, الدارج هذه الأيام. أما "الطرق" التي اعتاد عليها, فلا تستطيع لا سوريا ولا السوريون المجازفة بها الآن, لو أراد هو أو أحد أفراد العائلة ترجمتها على أرض الواقع. ثم هل يجوز استبدال "حنا بحنين...؟"
أهم كلام جاء على لسان الناطق باسم رفعت الأسد, هو أن الخلاص في سوريا يبدأ بإجراء المصالحة الوطنية. هذا هو طوق النجاة, وهذا ما نتمناه ليس لسوريا فقط, بل لكل بلد مطوق من الداخل بالطائفية والشللية والعنصرية والتخلف.
شكراً رفعت الأسد. ما رأيك لو تكتب لنا مذكراتك الحقيقية لتستنير الشعوب؟