من أصعب الأمور في العمل الإعلامي ما يتمثل في تحديد أطر السياسات التحريرية لأي وسيلة ورسم خيوط عريضة يمكن أن تكون ركيزة للمعالجات الإعلامية سواء كانت "الوسيلة" مرئية أو مقروءة. ومن المتعارف عليه أن السياسات التحريرية "مرنة" ومتغيّرة بطبعها وقابلة للتحوّل والتعديل وفقا لاعتبارات مثل التمويل والتبعية والإدارة والمناخ السياسي والإعلامي الذي تعمل فيه "الوسيلة". ولعلّ أحد شواهد ما يمكن تسميته اصطلاحاً بذكاء الرسالة الإعلامية، يكمن في توظيف الأخبار والتقارير التي تبثها وسيلة ما لتفسير أو شرح أو الدفاع عن موقف سياسي ما أو خدمة لسياسة خارجية ما أو درء "هجوم إعلامي" غير مبرر، أو تقديم المعلومات الحقيقية إلى القرّاء في توقيت مناسب بما يحول دون تعرّفهم إليها من مصادر أخرى وربما من وجهة نظر مغايرة. ولذا يصعب فهم غياب أي تغطية إعلامية في الصحف المحلية حول ما يثار إعلامياً منذ فترة بشأن وجود خلاف حدودي بين الإمارات والسعودية. فالنتيجة لم تكن بالطبع لمصلحة عدم النشر، الذي وفّر فرصاً لبقية وسائل الإعلام في طرح الأمر بشكل يضع الإعلام المحلي خارج دائرة الزمن، ويضعف صدقيته لدى متابعيه.
والأمر لا يقتصر بالمناسبة على متابعة النقاش الدائر بين الدولتين الشقيقتين، الإمارات والسعودية، حول الحدود، بل يطال أموراً أخرى كثيرة يتراجع الإعلام المحلي في تغطيتها لاعتبارات ومبررات تبدو غير مفهومة. ولو افترضنا جدلا أن هذه النوعية من الأخبار لا يتم تسليط الضوء عليها لاعتبارات مهنية أو تحريرية معيّنة، ولو سلّمنا أيضا بأن دخول المتغيّر الإعلامي على خط كثير من النقاشات الحسّاسة في العلاقات الدولية يفسد النقاش ويضعف فرص التوصّل إلى حلول ترضي جميع الأطراف، فإن المشكلة أن عدم تسليط الضوء على أخبار من هذه النوعية لا يعني غيابها عن الجمهور المحلي، لا سيّما في دولة الإمارات التي تحظى بالمعدل الأعلى إقليمياً في انتشار "الإنترنت" وفي معدلات الدخول للشبكة العنكبوتية.
وبالتالي ربما يكون من الأفضل نشر ومتابعة هكذا أخبار لتحقيق أهداف عدة، أولها تأكيد حرية الإعلام الإماراتي ومستوى الوعي المهني الذي ارتقى إليه بما يتيح التعامل مع القضايا والإشكاليات المحلية أو تلك المتصلة بالعلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة من دون حساسيات لأن الأجواء مفتوحة والخلافات بين الأشقاء -إن وجدت- ليست عيباً أو نقيصة, يمكن أن تشوب العلاقات بين الأشقاء في دول مجلس التعاون، طالما وجدت قنوات الحوار وإرادة التسوية والمناخ والأجواء التي تسمح بتجاوز إشكاليات من هذا النوع، وقد حسم سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة للشؤون الخارجية، هذه المسألة حين وصف الحوار الإماراتي- السعودي حول الحدود بأنه "حوار أخوي وشفاف وصريح"، والأمر الثاني توضيح الحقائق ووضع الأمور في نصابها وعدم ترك الموقف الرسمي للدولة موضع شدّ وجذب وتكهنات بين المحللين والفضائيات وشتى وسائل الإعلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية