على عكس ما يعتقد البعض، تعتبر العظام نسيجاً حياً، يصنف ضمن أنواع الأنسجة الضامة. فبخلاف الوظيفة الهيكلية التي تقوم بها العظام، من دعم وحماية الأعضاء الداخلية، والمساعدة على الحركة بالتوافق مع العضلات، تقوم العظام بوظائف حيوية أخرى، مثلها مثل الكثير من الأعضاء الأخرى، كالكبد والكليتين. فالعظام، أو نخاعها بالتحديد، تعتبر المركز الرئيسي لتكوين خلايا الدم بأنواعها وأشكالها المختلفة. كما تلعب العظام دوراً محورياً في توازن الكالسيوم داخل الجسم، بالإضافة إلى أهميتها البالغة في تخزين المعادن المختلفة. وكما تتعرض أعضاء الجسم الأخرى للأمراض، تتعرض العظام أيضاً لطائفة واسعة من الأمراض، مثل الهشاشة، والأورام السرطانية، والأمراض الوراثية الخلقية، وغيرها الكثير. فعلى سبيل المثال، تصيب هشاشة العظام أكثر من عشرة ملايين أميركي، ويعاني أربعة وثلاثون مليونا آخرون من ضعف العظام. وتتسبب هشاشة العظام وضعفها، في أكثر من مليون ونصف المليون كسر سنوياً، في الولايات المتحدة فقط، وهو ما يجعل الفاتورة النهائية لمضاعفات هشاشة العظام وما ينتج عنها من كسور، تتخطى قيمة السبعة عشر مليار دولار سنوياً، تنفق على العلاج وعلى إعادة التأهيل. وبوجه عام، تعتبر الكسور من أكثر الاختلالات المرضية التي تصيب العظام، وتتعرض لها جميع الفئات العمرية من الجنسين. ومنذ أن بدأ الإنسان ممارسة الطب الشعبي، وحتى آخر اختراقات الطب الحديث، مازالت الفكرة الأساسية في علاج كسور العظام تعتمد على استعادة الوضع الطبيعي للعظام المكسورة، وتقريب حوافها من بعضها البعض، ثم تثبيتها على هذا الوضع، باستخدام الجبيرة البسيطة، أو الجبيرة الطبية، أو باستخدام الشرائح والأسلاك والمسامير المعدنية. وتتيح استعادة الوضع الطبيعي للعظام، فرصة جيدة لعملية الإلتئام الطبيعي أن تأخذ مجراها، من خلال تكوين كلس يصل الحواف المهشمة ببعضها البعض، ويمكن العظام من استعادة صلابة قريبة من صلابتها الطبيعية.
ولكن في حالات الكسور الشديدة، أو الإصابات الخطيرة المترافقة بفقدان جزء من العظام، يلجأ الأطباء إلى أخذ جزء من العظام من منطقة أخرى في الجسم، مثل منطقة الحوض أو الضلوع، لإصلاح الكسور أو تعويض الجزء المفقود، وهو ما يتطلب إجراءات جراحية بالغة التعقيد، بالإضافة إلى أنها تتسبب في آلام مبرحة للمريض. هذه المشكلة يأمل علماء "معهد ماساشوستس للتقنية" وأطباء جامعة "فاندربيلت" في الولايات المتحدة من حلها، من خلال زراعة وتنمية العظام عند الحاجة إليها. ففي بحث مقرر له أن ينشر الأسبوع المقبل في الدورية العلمية المرموقة
(Proceedings of the National Academy of Sciences) سيستعرض علماء الجامعتين، نتائج تجربة أجريت على الأرانب، نجحوا من خلالها في إنماء عظام جديدة بالقرب من العظام القديمة المحطمة، أو المفقود جزء منها. واعتمد العلماء في تجربتهم تلك، على خلق فراغ حول العظام السليمة، مما حفزها للنمو، معتمدين في ذلك على العملية الطبيعية التي يستخدمها الجسم في علاج كسور العظام. هذا الفراغ تم إنشاؤه من خلال حقن ماء مالح تحت الغشاء المحيط بالعظام من الخارج، ثم استبدلوا الماء لاحقا بـ"جيل" من الكالسيوم، وفي خلال ستة أسابيع، تم تحفيز العظام لتنمو وتملأ هذا الفراغ الجديد، والذي مُنح اسم جديد في عالم الطب، هو (invivo bioreactor). بعدها قام العلماء بنزع العظام الجديدة المكونة في الفراغ، لاستخدامها في مناطق أخرى لإصلاح الكسور، أو استبدال الأجزاء المفقودة. وبخلاف هذين الاستخدامين، يأمل العلماء أن يستخدم هذا الاسلوب في علاج بعض أمراض العظام الأخرى، من خلال إنماء العظام، ثم تجميدها وتخزينها للاستخدام وقت الحاجة.
هذا الاختراق الأخير، هو آخر ثمار جهود العلماء حول العالم، نحو هدف تطوير اساليب جديدة لإنماء العظام. فعلى سبيل المثال، نجح قبل سنوات فريق من العلماء في مستشفى "همرسميث" ومستشفى "تشيلسي و ويستمنيستر" في العاصمة البريطانية، في إنماء خلايا العظام البشرية خارج الجسم ولأول مرة. هذا الاختراق تم في مركز أبحاث هندسة الأنسجة واستخدم العلماء فيه نوعا خاصا من الزجاج السيراميك، مكون من مادة السيلكون والكالسيوم والفسفور، لتكوين (سقالة) تنمو عليها خلايا العظام في المعمل، وتسمح بالترابط والالتصاق ببعضها البعض. ويأمل العلماء في المستقبل، ان يتمكنوا من حقن هذا الخليط الزجاجي الخلوي في أماكن الكسور الشديدة، للمساعدة على التئام الكسور. ويبني العلماء آمالهم تلك على حقيقة أن الخليط الزجاجي وحده، مستخدم بالفعل في علاج الكسور وفي طب الأسنان، وهو ما يجعله مجربا من حيث السلامة والفعالية. وبإضافة خلايا العظام إلى الخليط، ستتخطى فائدته حاجز كونه مادة جامدة تعمل كلاصق ليس إلا، لتصبح نسيجاً حياً يساعد على عملية الالتئام الطبيعية في الجسم.
مثل هذه الاكتشافات والاختراقات هي مجرد خطوات على طريق طويل، نحو تحقيق الحلم النهائي في توفر العظام كقطع غيار، تستخدم وقت الحاجة. هذا