في تطور مفاجئ، أعلن خبراء منظمة الصحة العالمية أن العلاج ببدائل الهرمونات، المستخدم حالياً لتخفيف أعراض سن اليأس، يتسبب بشكل مباشر في الإصابة بالسرطان. ففي يوم الجمعة الماضي، وعبر تقرير نشر في الدورية العلمية المرموقة (The Lancet Oncology)، صرح علماء الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، بأن خليط هرمون الاستروجين والبروجيستيرون، المستخدم لتعويض النقص في الهرمونات المصاحب لدخول المرأة في سن اليأس، هو خليط مسبب للسرطان لدى الإنسان. وفي نفس الوقت نص التقرير على أن خليط الهرمونات هذا، يساعد على خفض احتمالات الإصابة بأنواع أخرى من السرطان. فمثلاً يتسبب العلاج الهرموني البديل في زيادة احتمالات الإصابة بسرطان الثدي، وفي نفس الوقت ينتج عنه انخفاض في احتمالات الإصابة بسرطان عنق الرحم وسرطان الكبد.
وقبل أن نتطرق إلى نتائج هذا التقرير على الممارسات الطبية اليومية، يجب أن نتوقف قليلاً عند مفهوم واستخدامات العلاج الهرموني البديل، أو ما يطلق عليه أحياناً الإحلال الهرموني أو الاستبدال الهرموني. هذا الإحلال أو الاستبدال هو عبارة عن نظام من العلاج بالأدوية، يستخدم غالباً في حالات انقطاع الطمث أو الدورة الشهرية لدى النساء بسبب التقدم في العمر، أو ما يعرف بسن اليأس. ويعتمد هذا العلاج على (فرضية) أن الأعراض المزعجة، والمشاكل الصحية، التي تترافق مع وصول النساء إلى هذه السن، هي نتيجة لانخفاض مستويات هرمون الإستروجين في الدم. ولذا يتكون العلاج الهرموني البديل في جوهره، من تسلسل محدد من الأدوية والعقاقير الهادفة إلى رفع مستويات تلك الهرمونات، وبالتحديد هرمون الإستروجين والبروجيستيرون.
وأحياناً ما يستخدم أيضاً هرمون الأندروجين, لزيادة الرغبة الجنسية بعد سنوات اليأس.
ويعتبر سن اليأس مرحلة طبيعية في الدورة التناسلية للمرأة، تحدث عندما يتوقف المبيضان عن إنتاج هرمون الإستروجين، وهو ما يتسبب بشكل تدريجي في توقف الجهاز التناسلي للمرأة عن العمل. هذا الانخفاض في مستويات الإستروجين، يترافق مع مرحلة من التغيرات الفسيولوجية والعضوية، تظهر على شكل نوبات من ارتفاع درجة حرارة الجسم، وزيادة سرعة ضربات القلب. بالإضافة إلى تغيرات نفسية، مثل الإصابة بالاكتئاب، أو القلق والتوتر الشديد، أو التغيرات المزاجية العنيفة، مع انخفاض القدرة على التركيز الذهني. وأحياناً ما تصاب المرأة بجفاف في المهبل، مع انخفاض الرغبة الجنسية، وزيادة الحاجة إلى التبول. ومثل هذه الأعراض، تتسبب أحياناً في اضطراب شديد في حياة المرأة، وتعيقها كثيراً عن ممارسة حياتها اليومية بشكل طبيعي. ورغم أن البعض يرى أن هذه الحالة هي جزء طبيعي من مراحل حياة المرأة لا يتطلب العلاج، إلا أن الكثيرين يرون أن وطأة الأعراض وما تسببه من اضطراب في حياة المرأة، هي من الشدة إلى درجة تتطلب التدخل الطبي. وكما ذكرنا سابقاً، يتكون هذا التدخل الطبي في جوهره من استبدال وإحلال الهرمونات التي انخفضت مستوياتها. ويرى هذا الفريق الأخير, أن العلاج الهرموني البديل، لا يوفر التخفيف المؤقت من الأعراض السابقة فقط، بل يوفر أيضاً حماية من مشاكل صحية أخرى على المدى الطويل، مثل ضعف وهشاشة العظام.
ولكن مثله مثل الكثير من العلاجات والتدخلات الطبية، لا تأتي أزهار العلاج الهرموني البديل بدون أشواك. فمثلاً من المعروف والموثق، أن تعاطي هرمون الإستروجين عن طريق الفم، يتسبب في تفاقم أمراض الكبد وأمراض الحويصلة المرارية، لدى الأشخاص المصابين بها من الأساس. بالإضافة إلى تسببه في زيادة احتمالات الإصابة بتخثر الدم، الذي قد يؤدي بدوره إلى مضاعفات خطيرة وقاتلة أحياناً. ويؤثر الإستروجين أيضاً على مستويات الدهون الثلاثية في الدم "الترايجليسريد"، وهو ما من شأنه أن يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين. أما بالنسبة للأمراض السرطانية، فالحكمة الطبية السائدة حتى وقت قريب، هي أن الإستروجين (ربما) كان يزيد من احتمالات الإصابة بسرطان الثدي. هذه الحكمة ربما تتغير قريباً، بناء على نتائج واستنتاجات تقرير الأسبوع الماضي.
فالتقرير الصادر عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، يتخطى مرحلة الشك، ليؤكد بشكل قاطع أن العلاج الهرموني البديل يسبب السرطان. لكن رغم هذا التصريح الحازم، والصادر على مسؤولية أكثر من عشرين من علماء الوكالة، إلا أنه يجب أن ندرك أن الصورة النهائية أكثر تعقيداً بكثير. وهو ما دفع مسؤولي المنظمة للتصريح لاحقاً، بأن تقريرهم لا يعني أن تتوقف النساء عن تعاطي علاجهن الموصوف لهن، على الأقل قبل استشارة طبيبهن، وقبل وزن وإدراك جميع المخاطر والفوائد التي تترافق مع الاستمرار في العلاج. بينما شكك أطباء آخرون في نتائج التقرير، معتمدين على عدم وجود دراسات تثبت أن حبوب منع الحمل، والتي تستخدم نفس الهرمونات المستخدمة في العلاج الهرموني البديل تقريباً، تتسبب بشكل مباشر في الإصابة بالسرطان. ويرى هؤلاء أيضاً أن التقرير ال