لأول مرة في تاريخ أوروبا، بريطانيا تقف على مفترق طرق بين الحرية والأمن وتخوض مسارات لاتخاذ قرارات مصيرية ضد الكراهية ودعاتها وهي لها كل الحق فيما ذهبت إليه، ليس لأن بعض الأفراد ممن عاش لسنوات طويلة في كنف الحرية الموسعة هناك قد خانته تصرفاته وقادته إلى إطلاق دعوات لكراهية الشعوب التي ظللتها واحات الأمن والأمان لقرون فقدت فيها العوالم الأخرى تلك الميزات التي تسمح بتلاقي الفرقاء في مكان واحد دون خوف من نظام معادٍ أو قانون يجافي الحقائق.
صحيح أن صدور القوانين الاضطرارية لمعالجة مشكلات دعاة الكراهية من أناس يفترض أن يكون شعارهم الأوحد هو ما دعا إليه المولى عز وجل (وقولوا للناس حسنا) وليس كرهاً ولا عداوة وليس في كتاب الله كلمة واحدة تدعو إلى الكره والبغض لكائن من كان، حتى لو جاء الأمر في مواجهة أعتى الأنظمة ظلماً فإن وسائل العلاج بعيدة كل البعد عما ينم عن الكراهية المجردة.
إن المهاجرين إلى الغرب هم ضيوف هناك، عليهم واجب احترام القوانين التي يعيشون في إطارها وليس من حقهم الاحتجاج عليها، فمن لم يستطع العيش والتأقلم وفقاً لمستجدات الأمور في بريطانيا وغيرها من الدول التي سمحت للشعوب الأخرى بالدخول إليها، عليه العودة من حيث أتى، وإلا فإن الكراهية التي تملأ قلبه هي الحاجز والمانع له دون القدرة على الحياة السليمة، لأن الصدور المليئة بمثل هذه الأمراض النفسية يصعب علاجها بسهولة، لذا كان القانون الذي استحدث في بريطانيا لردع هؤلاء هو جزء عملي لمعالجة ألسنة وقلوب من لا يرضخ لصوت العقل والحكمة.
بعض دعاة الكراهية في الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا اليوم والتي تواجه وضعاً صعباً وتحدياً ضخماً يغير من طبيعتها المسالمة في قوانينها السمحة، كان يقف على منابر المساجد يكيل الشتائم تلو الأخرى للدولة المضيفة احتجاجاً على بعض مواقفها من قضايا العالم العربي والإسلامي مستغلا مساحة الحرية المتاحة للتعبير عن الرأي الآخر الذي لم يكن يملك وسيلة نافعة غير كلمات الشتائم، ونسي هؤلاء أن ذلك الوضع لن يدوم وخاصة بعد أن خرج البعض عن نطاق التعبير بالكلمات إلى طريق اللكمات التي تحولت إلى قنابل فتاكة طالت من لا حول له ولا قوة.
فالقول الحسن في الغرب هو أجدى وسيلة لإيصال الرأي الآخر إلى أروقة متخذي القرار وعبر القنوات الشرعية المتاحة في المجتمعات التي تؤمن بأن فرض الرأي الآخر أمر أقرب إلى الاستحالة في التطبيق. من هنا كانت الأنظمة التي أنشأت البنية الأساسية الاجتماعية لهذه الدول ساهمت في ترسيخ مبادئ الحرية والديمقراطية في كافة مناحي الحياة اليومية للناس.
والغريب في الأمر هنا أن دعاة الكراهية يكرهون أصلا النظام الذي يسود المجتمع الغربي لأن معيشتهم أقرب إلى الفوضى التي تنبع من مخالفة القوانين وليس أدل على ذلك مما خرجت به حملات المداهمات التي طالت الألوف بعد الهجمات الأخيرة على مترو الأنفاق في لندن واكتشاف أعداد كبيرة من مخالفي قانون الدخول والإقامة، مع أن موظف الهجرة والجوازات يقوم بتوضيح وشرح كافة القوانين لكل داخل إلى الأراضي الغربية، وما هو مطلوب منهم أثناء إقامتهم حتى لا يتم تعرضهم إلى سيف القانون الذي ضاعف كراهية هؤلاء للمجتمعات التي قامت باستضافتهم بكل رحابة صدر، إلا أن كل ذلك لم يملأ عين هؤلاء، إلا التراب الذي أعماهم عن رؤية الحقيقة في قول الحق "وقولوا للناس حسنا" وليس كرها كما صدرت القوانين البريطانية ضده.