في مقال الأسبوع الماضي تعرضنا إلى بعض سمات الجامعات القاتلة والتي تخرج أجيالا هم للموت أقرب منهم للحياة، وذكرنا أن أهم سمات هذه الجامعات أنها لا تنمي الهوية والانتماء الوطني لدى طلابها فيتخرجون كأنهم شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ولا جذور تربطها بأمة أو وطن. والسمة الثانية في هذه الجامعات أنها لا تدرب المتعلم على التفكير فقد تعطيه الكثير من المعلومات لكنه لا يعرف كيف يستفيد منها، وكما وعدناكم سنكمل في هذا المقال السمات الأخرى للجامعات التي تخرج في الغالب جيوشاً من الفاشلين إلى المجتمعات.
العلامة الثالثة على ضعف الجامعة التي تتعلم فيها أيها الطالب أنك لا تتعلم خلالها عملية رسم الأهداف المستقبلية لحياتك، وكما يقال إذا لم يكن لك هدف أصبحت أنت من ضمن أهداف الآخرين، وهذه المقولة كما أنها تصدق على الأفراد تصدق على الدول، وهل الدول إلا مجموعة أفراد؟ وفي دراسة طريفة أجريت على دفعة من الخريجين من إحدى الجامعات الغربية طلب من الخريجين بيان وجود أهداف مرسومة لحياتهم من عدمه، تبين للباحثين أن 2% فقط من الدفعة أكدوا وجود أهداف لهم. بعد عشرين سنة تتبع فيها الباحثون هذه الدفعة تبين لهم أن من كان له هدف حقق إنجازات يفخر بها في مجتمعة وحياته الخاصة أما من لم يكن له هدف فكان كغثاء السيل، فهل تتعلم في جامعتك صناعة الأهداف؟
مع صناعة الأهداف هناك فنون التخطيط، فهدف بلا خطة هو أمنية والأمنيات كما يقال رأس أموال المفلسين، نعم كم من الطلبة عرفناهم في حياتنا كانت لهم طموحات خيالية لتحقيق أهداف عظيمة على المستوى الشخصي والقومي، لكنهم تمنوا على الله الأمنيات ولم يخططوا لها فكان مصيرهم التيه في خضم الحياة التي تقاذفتهم أمواجها شرقا وغربا. إن وجود أهداف واضحة في حياة الإنسان مدعمة بخطة تنفيذية تحدد تصرفاته ورغباته، وأول مؤشر على ذلك في الجامعات هو مسألة اختيار التخصص والكلية، فلو سألت المتعلم عن سر تخصصه في هذا الميدان أو ذاك لسمعت إجابات مختلفة ليس منها أنه يريد تحقيق أهداف واضحة، لذلك نجد عملية التحول من تخصص إلى آخر وفق تغير الهوى الذي يلعب بحياة الكثير من الناس اليوم.
من سمات الجامعات التي تخرج الفاشلين أنها تعطيهم المعلومات بصورة مباشرة ولا تكلفهم جهد البحث عن آخر المستجدات في ميدان تخصصهم والنتيجة أن هذه المعلومات تنسى مع تقادم الزمن، وما بقي منها في الذاكرة فإنه يتقادم ولا يصبح له معنى. كلنا يدرك أننا في زمن الانفجار المعرفي الذي تتطور فيه المعلومات بمتوالية غير محددة السرعة ولا ترتبط بالزمن، ومن هنا فإن الجامعات الراقية تعلم الطلبة فنون متابعة المعلومة بالبحث الدقيق والمستمر عن أصح المعلومات، فهناك معلومة صحيحة وأخرى أصح، والناجح هو من يبني قراراته على المعلومات الأصح، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الجامعات التي تعطي الطلبة المعلومات وتفقدهم خاصية البحث العلمي فإنها تخرج موظفين تقليديين ينجحون في سوق العمل الثابت، وأسواق العمل اليوم غير مستقرة فمن الصعب أن يعيش الإنسان طوال حياته في مهنة واحدة وللتكيف مع سوق العمل المتغير تأتي أهمية البحث العلمي الذي يتعلم خلاله الإنسان كيف يجدد تخصصه ومهنته، والأهم من هذا وذاك أن من يفقد خاصية البحث عن المعلومة لن ينتج المعرفة بل يتلقاها وهذا سر من أسرار الأمم الفاشلة أنها تعيش على ما ينتجه الآخرون، فهم عالة على غيرهم، ولو تأملنا في حال الأمم التي تقود الدنيا اليوم لرأينا تأكيدها على البحث العلمي لأنه وسيلتها للجديد الذي ترتقي به سلم المجد. إذاً من سمات جامعة الناجحين أنها تعلم الطلبة صناعة الأهداف وبناء الخطط والبحث عن المعلومة.