العالم بأسره ينعم بمنظمات إقليمية فاعلة، إلا عالمنا العربي، ما نتفق عليه في الصباح نشجبه ونرفضه في المساء، بل إن التشكيك في التوصل إلى توصيات ملزمة يسبق انعقاد كل قمة عربية، وللأسف فإن النتائج لا تقارن عادة مع ما هو مأمول من انعقادها، ومن يشهد المنظمات الإقليمية في آسيا، ويستعرض إنجازاتها الأمنية والاقتصادية والسياسية، يشعر بالمرارة والأسى على حال منظمتنا العربية، التي كان يطلق عليها جزافاً في الماضي "بيت العرب"، فأصبحت "بيت عمرو"، ولأننا نأمل ألا تتحول منظمة الخليج الإقليمية إلى استنساخ من منظمتنا الكبرى، وحتى لا تكون اجتماعاتها تحصيل حاصل، ولقاء بين الأخوة والأشقاء من الزعماء والقادة يشمله غذاء عمل، وإفطار تحضير، وعشاء مناقشة، ثم وداع، تاركين وراءهم القرارات والاتفاقيات التي تم التصديق عليها تحتاج إلى قرارات أخرى واتفاقيات جديدة أكثر تفصيلاً وتحديداً وتعديلاً حتى يتم تنفيذها وهكذا، ثم سرعان ما نعود من حيث بدأنا لأنه لم يتم الالتزام بأي منها.
لقد أملت، وليس كل ما يأمله المرء يدركه، أن تختلف قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية رقم 26 التي ستعقد في أبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر القادم، وتزداد فاعلية المنظمة الإقليمية الخليجية، وتتميز وسط المنظمات الإقليمية الأخرى، وتظهر لها كرامات ومعجزات بين المنظمات العربية، لذا أتقدم بورقة عمل للقمة عسى أن تجعلها مختلفة عن سابقاتها.
وتهدف ورقة العمل هذه إلى تحقيق هدفين أساسيين: الأول، تفعيل دور المجلس تجاه شعوبه، والثاني، كيف يصبح مجلس التعاون لاعباً مؤثراً في الأمن الإقليمي عام 2015.
لتحقيق الهدف الأول نجد رزمة من القضايا والموضوعات التي تحتاج إلى القرارات الحاسمة من القمة. إن ما يهم شعوب دول مجلس التعاون الخليجي هو معاملتهم كشعب واحد لا تفرق بينهم الحدود الصناعية والخطوط الجغرافية الوهمية التي تفصلهم عن بعض، فهم في الحقيقة نسيج أصل بشري وعرقي واحد ويتحدثون لغة واحدة ويدينون بدين واحد، وينتظرهم مصير مشترك، وهذا يتحقق من خلال انفتاح حرية التنقل، وتوحيد الأنظمة والإجراءات الجمركية التي تكرر الحديث عنها طويلاً وصدرت بشأنها قرارات قمة لم يشعر بتنفيذها أحد، وأن يتم تداول العملة بسهولة ويسر، وأظن أن تخطيط وتنفيذ مشروع استراتيجي للسكك الحديدية يربط بين عواصم دول المجلس الست يعتبر خطوة رائدة في تجاوز الحدود وحل الكثير من العقبات، لأن مثل هذا المشروع يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية عدة في آن واحد، فهو يتيح حركة التنقل للأفراد والبضائع بيسر وسهولة، ومن ثم تضاعف التجارة البينية بين دول المجلس، الأمر الذي سيقود مباشرة إلى تنقل رؤوس الأموال وزيادة الاستثمارات وارتفاع الدخل، ويساعد في تقوية الروابط بين شعوب المنطقة، ويكون لهم الدور المطلوب في دفع التكامل بين دول المجلس وخدمة قضايا الخليج وهمومه.
ولن يغيب عنا أن المشروع يزيد من فرص السياحة الداخلية بين دول المجلس، وفي الوقت نفسه يسمح للشباب بالتنقل بين جامعات المجلس للدراسة وتلقي العلم وتبادل الخبرات، الأمر الذي سيدعم مستقبل العلاقات بين دول المجلس.
ولكن يجب أن يواكب ذلك عملية استراتيجية مخططة ومستمرة لحل أزمة الحواجز التي تعوق حركة التنقل من هوية موحدة أو جواز سفر خليجي أو شروط للعمل في القطاعات الحكومية والأهلية للاستفادة من الموارد البشرية المتاحة ومواجهة الخلل في التركيبة السكانية من جانب، وإيجاد فرص عمل للمواطنين من جانب آخر، وتوحيد نظم التأمين والمعاملة الضريبية، وتداول وشراء الأسهم، وتأسيس وتوحيد إجراءات ونظم الاستيراد والتصدير، وكلها تدخل في إطار عام يطلق عليه "السوق الخليجية المشتركة"، ومن المؤكد أن أمانة مجلس التعاون الخليجي لم يغب عنها كل هذا الأمر، ولكن الواقع يدل على عدم جدية تنفيذ الإجراءات أو الاتفاقيات أو القرارات التي وافقت عليها القمم الموقرة من قبل.
وإذا كنا جادين فعلاً في أن يكون لمجلس التعاون دور إقليمي فاعل يجب أن نكف عن كتابة القرارات والتوصيات التي تتسم بالعمومية أو التي تتحمل التأويل لأكثر من معنى أو ذات العبارات التي لا تحدد أي إجراء جماعي إلزامي يجب تنفيذه في وقت محدد، لأن المهم هو شعور المواطن الخليجي نفسه بانعكاسات قرارات القمة عليه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولذلك يجب أن يسبق دائماً سؤال: كيف ننفذ؟ سؤال هو: ما المطلوب الذي يجب تنفيذه؟ وإلا سنظل نراوح مكاننا، ولن يختلف مجلس التعاون عن حال المنظمات العربية الأخرى، التي تحسن الكلام وتفتقد الفعل.
أما لتحقيق الهدف الثاني من ورقة عملنا المقترحة فيجب العمل من الآن لتصبح منظمة مجلس التعاون قادرة على القيام بدور مؤثر في الأمن الإقليمي، لأن هذا الأمر يفرض التزامات عدة على دول المجلس جميعها، ليس نهايتها توقيع اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك عام 2000، بل في الحقيقة هي البداية والوسيلة للمساهمة بدور حقيقي في حفظ الاستقرار والسلام الإقليمي