خلال أقل من شهر، وفي الثالث من أكتوبر القادم تحديداً، ستبدأ تركيا مفاوضاتها المتعلقة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي يضم 25 دولة حاليا. وهذا التاريخ في الحقيقة، يمثل لحظة فائقة الأهمية ظلت تركيا تنتظرها على أحر من الجمر قرابة 40 عاما. وإذا ما نجحت تلك المفاوضات، فإن وقع ذلك سيكون هائلا على تركيا وأوروبا والشرق الأوسط، و كذلك على العلاقة المتوترة بين الغرب والعالم الإسلامي.
وحتى آخر لحظة كان القرار الخاص ببدء المفاوضات محاطا بالشكوك وعدم اليقين، حيث كان هناك دائما خطر ماثل وهو أن تقوم دولة أو أكثر من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بإعاقة العملية برمتها من خلال استخدام الفيتو، وهو ما كان سيقضي نهائيا على الحلم التركي بالانضمام إلى الاتحاد.
ويذكر في هذا السياق أن الرأي العام في أوروبا قد أصبح خلال الشهور الماضية متصلباً في مواقفه تجاه تركيا، مما جعل الأتراك وهم المعروفون بعواطفهم الوطنية الجياشة أكثر ضيقا وتململا تجاه ما يصفونه بالـ"التباطؤ الأوروبي" المتعمد.
وعندما قام الناخبون في فرنسا وهولندا في وقت سابق من هذا العام برفض الدستور الأوروبي الجديد المقترح، فإنهم وضعوا الاتحاد في أزمة، وأثاروا الشكوك حول جدوى أية توسيعات جديدة للاتحاد وهو ما مثل في حد ذاته أخبارا سيئة بالنسبة لتركيا.
في نفس الوقت، نرى أن كبار السياسيين الأوروبيين، قد أعربوا عن معارضتهم لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. ففي ألمانيا مثلا قالت "أنجيلا ميركيل، زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ - والتي يتوقع على نطاق واسع أن تحل محل "جيرهارد شرودر" في منصب المستشارية عقب الانتخابات التي ستجرى في وقت لاحق من هذا الشهر كما هو مقرر- إن أوروبا يجب ألا تعرض على تركيا شيئا أكثر من وضعية "الشريك المتميز" وذلك كبديل عن انضمامها الكامل للاتحاد.
علاوة على ذلك نجد أن نيكولا ساركوزي وزير داخلية فرنسا الطموح والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة 2007 يتبنى نفس الآراء.. كما نجد أيضا أن النمسا تعارض انضمام تركيا للاتحاد.
فالكثير من الأوروبيين يعتقدون أن تركيا أكبر مما ينبغي، وأفقر مما ينبغي، وذات ثقافة غريبة أكثر مما ينبغي، فضلا عن أنها إسلامية أكثر مما ينبغي، وهي عوامل تحول كلها دون استيعابها بسهولة في الأسرة الأوروبية.
وهناك أيضا مشكلة ظهرت في اللحظة الأخيرة بسبب رفض تركيا الاعتراف بجمهورية قبرص، أو الجزء اليوناني من الجزيرة، والذي انضم للاتحاد الأوروبي في مايو 2004. ففي التاسع والعشرين من شهر يوليو الماضي، قامت تركيا بالتوقيع على بروتوكول ينص على توسيع اتفاقية الشراكة الموقعة بينها وبين الاتحاد الأوروبي (وكذلك اتحاده الجمركي) بحيث تمتد إلى جميع الدول الأعضاء الجديدة بما في ذلك قبرص.. ولكن تركيا أعلنت بشكل صريح أن امتداد الشراكة إلى كل الدول ليس مقصودا به الاعتراف بها. وتواصل تركيا الآن السياسة التي دأبت على اتباعها تجاه قبرص والتي تقوم على منع الطائرات والسفن القبرصية من الهبوط في مطاراتها وموانئها.
وفي الثاني من شهر أغسطس الماضي، أثار رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دوفيلبان مخاوف من احتمال قيام فرنسا باستخدام حق الفيتو لمنع تركيا من الانضمام للاتحاد الأوروبي عندما قال إنه من " غير المتصور" أن تتم الموافقة على البدء في محادثات مع بلد لا يعترف بكل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد.
بيد أن ما حدث نهاية الأسبوع الماضي عندما اجتمع وزراء الخارجية الممثلون لـ25 دولة أوروبية في "نيوبورت" في ويلز يومي 1-2 سبتمبر الجاري هو أن كل تلك المخاوف قد تبددت عندما اتخذ الوزراء المجتمعون قراراً بالإجماع ينص على بدء المفاوضات مع تركيا. ويذكر هنا أن بريطانيا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام الجاري حسب نظام التناوب الموضوع قد جعلت مسألة بدء تلك المحادثات ضمن قائمة أولوياتها. وقد تفاعلت بورصة اسطنبول بحماس مع تلك الأنباء.
بيد أن المهم هنا أن نؤكد أن تركيا لا زالت في بداية العملية، وأن المفاوضات بينها وبين الاتحاد الأوروبي ستكون شاقة وطويلة، ويمكن أن تستمر حسب ما هو متوقع لفترة تتراوح ما بين 10 إلى 15 عاما. وإذا ما تقاعست تركيا عن اتخاذ الخطوات المطلوبة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان أو اقتصاد السوق، فإن تلك المحادثات يمكن أن تتوقف، بل ويمكن إلغاؤها كلية.
وفي جميع الأحوال فإن المحصلة النهائية هي أبعد ما تكون عن اليقين. فالناخبون الفرنسيون على وجه الخصوص حصلوا على وعد مؤداه أنه سيسمح لهم بالتصويت – من خلال استفتاء- على قبول أو عدم قبول عضوية تركيا بمجرد انتهاء المفاوضات الجارية بهذا الشأن.
والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن هو: ما هو السبب الذي دفع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ قرار باستئناف المفاوضات مع تركيا؟ أولا، أنه ليس بمقدور الاتحاد الدخول في أزمة جديدة مع تركيا خصوصا وهو لا يزال يعاني من أزمة رفض الدستور الذي ينظر إليه على نطاق واسع بأنه ك