إن تبني النظام اللامركزي في الدستور العراقي الجديد، والذي تم التعبير عنه بمبدأ الفيدرالية، هو ضمانة أكيدة للحفاظ على وحدة العراق، وليس العكس على الإطلاق، بل إن استمرار أي نوع من أنواع الأنظمة المركزية، بعد كل هذه التجارب المريرة التي مرت بالعراق، هو الذي يعرِّض وحدة العراق للخطر، ولذلك، حرصاً من المشرعين على وحدة العراق وانسجام تكوينه الاجتماعي المتنوع، تم تبني الفيدرالية كأفضل تعبير عن اللامركزية.
مما يؤسف له حقاً، أن بعض الساسة العراقيين، لا يناقشون الفيدرالية كنوع من أنواع الأنظمة السياسية الإدارية ما إذا كانت تنفع العراق الجديد، وتساهم في التنمية وتحقيق أوسع مشاركة شعبية في الشأن العام أم لا؟ وإنما يناقشونها فيما إذا كانت أمرا واقعا فيتعاملون معها على هذا الأساس، فيعترفون بها، أم أنها فكرة بكر لم تختمر بعد، قابلة للنقض، ولذلك رأيناهم يقبلون بها في منطقة كردستان (شمال) فقط لأنها أمر واقع لا يقبل النقاش، على حد تعبيرهم، ويرفضونها لبقية مناطق العراق (الجنوب والوسط) لأنها لا زالت في طور التفكير ولم تتحول إلى أمر واقع، ولذلك فإن بالإمكان اتهامها والطعن فيها وعرقلتها.
هذه الطريقة من التفكير خطيرة جدا، إنها الطريقة التي شرعها الاستعمار البريطاني بداية القرن الماضي، عندما رسم حدود البلاد العربية بالشكل الموجودة عليه حاليا، فهل سيقبل المعترضون على الفيدرالية لبقية العراق، بها بعد عشر سنوات مثلا، عندما يؤسس الجنوبيون فيدرالية جديدة لهم اليوم؟
نزار حيدر- واشنطن