حتى قبل أن أنتهي من كتابة هذه الأسطر كانت الاشتباكات بين قوات الأمن السعودية ومجموعة من المطلوبين المحاصرين في أحد المنازل السكنية في مدينة الدمام مستمرة وقد دخلت تلك الاشتباكات بالأسلحة الخفيفة يومها الثاني ونتج عنها قتلى من الجانبين.
لو فكر أولئك الإرهابيون الذين ما يزالون محاصرين في ذلك المنزل مرتين فيما يقومون به ربما نجوا من الموت وبدأوا حياة صالحة جديدة بعيداً عن الدم والرصاص؛ ففي المرة الأولى فليفكر الإرهابي في الانتقام، وليفكر في ما وُعد به ودفعه إلى القيام بذلك العمل الإجرامي الفظيع، وليفكر أيضاً في ما وُعد به من الشهادة ودخول الجنة والحور العين، فليفكر في كل ما قيل له. ولكن فليفكر في المرة الثانية في نتائج فعلته أولاً على أهله وزوجته ووالديه وعلى أبنائه، فليفكر في نتائج ما يقوم به على الأبرياء الذين سيدفعون ثمن أنانيته ورغبته في الموت ودخول الجنة على حساب الآخرين، فهو يريد أن يموت ويقتل الآخرين حتى يدخل هو الجنة؟! دون أن يعير أدنى اهتمام بمن يموت بسببه. فليفكر لو أن الرجل الذي قُتل بسببه هو والده، وأن الشاب الذي جُرح هو أخوه وأن الطفل الذي تقطعت أشلاؤه هو طفله، وأن المرأة التي احترق جسدها هي زوجته أو والدته ماذا سيكون موقفه؟! لو فكر الإرهابي مرتين لما قدم روحه وأرواح الآخرين قرباناً للمجهول، ولعرف أن ما يقوم به من قتل للمدنيين الأبرياء مهما كان دينهم ليس استشهاداً، وإنما جريمة وانتحار.
كما أن الإرهاب لم يعد له شكل محدد أو مصدر واحد، فمن أي شيء وكل شيء يُصنع الإرهاب، ولم يكن غريباً عندما ذُهلت مديرة المدرسة التي كان يعمل فيها محمد صديق خان (30 عاما) - الذي بثت قناة "الجزيرة" شريطاً مسجلاً له الخميس الماضي يتبنى فيه اعتداءات السابع من يوليو في لندن التي أدت إلى مقتل 52 شخصا- وقالت: "صديق كان يعمل كثيراً وكان شغوفاًَ بعمله مع الأولاد ومنغمساً فيه وإنه بذل جهداً كبيراً لجمع الناس من مختلف المجتمعات المحلية، وكان موضع احترام العديد من ذوي التلاميذ". كما أنه كان يعمل أيضاً متطوعاً في عدد من المراكز الخاصة بالشباب.
من الواضح أن خان لم يكن إرهابياً، ولكنْ هناك شيء تغير فيه وربما هناك غيره الآن، وهذا يؤكد ضرورة وأهمية أن يتحرك العالم بشكل أسرع في وضع حد للإرهاب لأنه بات من الواضح أن كل شاب مسلم سواء في الشرق عندنا، أم في الدول الغربية صار هدفاً للإرهابيين، وهو مشروع انتحاري يمكن غسل مخه واستخدامه في العمليات الانتحارية ضد الأبرياء.
في الأسبوع المقبل تمر الذكرى الرابعة لأحداث 11 سبتمبر، ومنذ هذا التاريخ من العام 2001 والإرهاب يتوسع وينتشر ويقوى، ومنذ ذلك التاريخ صار العالم أكثر خطراً، ويبدو أننا عاجزون عن محاصرة هذه الكارثة التي حلت على البشرية، ومن المهم أن نعيد النظر في نقطة انطلاقنا في مكافحة الإرهاب، وذلك بأن نعود إلى أسباب ظهور الإرهاب والإرهابيين، وهذا ليس كلاماً للتبرير – كما قد يعتقد البعض- فلا مجال لتبرير ما يقوم به الإرهاب، ولكن من الواضح أن الجميع يدعو إلى العودة إلى الأسباب في موضوع الإرهاب إلا السياسيين الذين يطالبون بالقفز على الأسباب والتركيز على النتائج، وبالتالي التعامل مع الإرهابيين فقط من خلال ما يقومون به، أي بإطلاق الرصاص على من يطلق الرصاص وتفجير من يريد تفجير نفسه، وصحيح أن هذا جزء مهم من عملية التخلص من الإرهاب القائم، ولكنْ هناك جزء أهم وهو معرفة أسباب ظهور إرهابيين جدد كل يوم وذلك حتى يمكننا الحد من تكاثرهم وبالتالي تخفيف الضغط على أنفسنا في مقاتلتهم وملاحقتهم.
في أميركا هناك استطلاع أكد على عدم تجاهل أسباب انتشار الإرهاب، فقد أظهر استطلاع حديث للرأي تصاعد أعداد الأميركيين الذين يعتقدون أن الحرب على العراق تقوض جهود مكافحة الإرهاب وتزيد من مخاطر وقوع هجمات إرهابية جديدة. وجاء في الاستطلاع الذي أجراه مركز "بيو" للأبحاث أن 47% من الأميركيين يعتقدون أن الحرب على العراق قوضت جهود مكافحة الإرهاب. كما أظهر الاستطلاع أن 45% منهم أكدوا في أعقاب تفجيرات لندن الأولى أن الحرب على العراق تزيد من مخاطر وقوع هجمات إرهابية ضد الولايات المتحدة مقارنة بـ 36% في الخريف الماضي.
ولا يمكن أن نتجاهل ما قاله مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA بورتر غوس أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس "الشيوخ" من أن "الأصوليين المتطرفين يستغلون نزاع العراق لتجنيد جهاديين جدد معادين لأميركا، وهي نتيجة متقدمة على السبب؛ فالاحتلال جعل العراق مركزاً للإرهاب العالمي وليس العكس".
أما في بريطانيا، فهناك ما يؤيد فكرة عدم تجاهل أسباب الإرهاب، ففي التقرير الذي صدر عن المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية - وهو وثيق الصلة بالحكومة البريطانية- تحت عنوان "المملكة المتحدة معرضة للخطر" وصل التقرير إلى "أن التحالف الوثيق بين بريطانيا والولايات المتحدة جعل الأراضي البريطانية هدفاً أكثر إغراءً لهجمات المتطرفين وبصو