قام الرئيس بوش، مطلع شهر أغسطس الماضي، بتعيين جون بولتن ممثلاً لواشنطن لدى الأمم المتحدة دون أن ينال موافقة مجلس الشيوخ. وقد لجأ بوش إلى طريقة ملتوية رغم أنها دستورية عندما استغل فترة إجازة الكونجرس ليعلن تعيين مرشحه المثير للجدل. وبالنظر إلى السمعة التي تلاحق بولتن، فإن قرار تعيينه كان بالتأكيد خبراً سيئاً بالنسبة للأمم المتحدة. ويدل هذا التعيين كما عبرت عن ذلك صحيفة "نيويورك تايمز" على أن "الرئيس بوش لا يكن أدنى احترام للأمم المتحدة أو الدبلوماسية الدولية". فقد اشتهر بولتن بإظهار احتقاره العلني تجاه الأمم المتحدة، وعدم تورعه عن إبداء أسلوب عدائي في التعامل مع الآخرين. وها هي تنضاف إلى أجندته العدائية قضية جديدة سيحارب من أجلها في أروقة الأمم المتحدة وتتمثل في الصراع من أجل السيطرة على الإنترنت.
تاريخيا كانت الولايات المتحدة هي المسيطر الأكبر على عصب الإنترنت. ورغم توالي النداءات في الآونة الأخيرة بضرورة جعل البنى المتحكمة في الإنترنت أكثر ديمقراطية، إلا أنها كانت دائما تلاقي الصد من قبل إدارة الرئيس بوش. ويذكر أن الإنترنت طورت خلال الستينيات كنتيجة للأبحاث التي كان يجريها الجيش الأميركي من أجل الوصول إلى شبكة بديلة للاتصال يمكنها الاستمرار في العمل دون أن تؤثر فيها ضربة نووية سوفييتية. وتعتمد الإنترنت في نقل المعلومات بسلاسة عبر شبكتها الهائلة وتوفير الخدمات الضرورية مثل البريد الإلكتروني على 13 جهاز كمبيوتر عملاق موزعة في أنحاء العالم. وتكمن أهمية تلك الأجهزة في أنها تقوم بترجمة المواد المنشورة على الأنترنت إلى لغة يفهمها الكمبيوتر، وتحول النصوص إلى أرقام عن طريق بروتوكول معقد. غير أن تلك الأجهزة العملاقة المسؤولة عن فك شفرة المعلومات وتحويلها إلى أرقام اعتماداً على نظام رقمي معين مرتبطة كلها بجهاز كمبيوتر رئيسي يوجد في الولايات المتحدة وخاضع لمراقبة الحكومة الأميركية. وفي الوقت الذي يتطلب فيه إجراء أي تعديل أو إضافة على شبكة الإنترنت الحصول على موافقة واشنطن، تستطيع هذه الأخيرة التحكم في الجهاز الرئيسي وأن تدخل التغييرات التي ترغب فيها دون قيود، أو معارضة من أحد. وبما أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تستطيع الوصول إلى الملف الرئيسي، فهي تتحكم فعليا بعصب الإنترنت وتتربع على عرشها دون منازع.
وحسب تقرير أنجزه فريق عمل تابع للأمم المتحدة ومتخصص في شؤون الإنترنت صدر في 14 يونيو الماضي وجه انتقادات حادة إلى واشنطن على ما وصفه احتكاراً للشبكة، وإعاقتها لأية جهود ترمي إلى تطويرها وإتاحة الوصول إلى الجهاز الرئيسي الذي يتحكم فيها، خصوصا بالنسبة للدول النامية. وتأكيداً على رغبة الولايات المتحدة في التحكم بمصدر الإنترنت أعلن السيد مايكل جالاهر وكيل وزارة الاتصال وإدارة المعلومات الأميركي في وقت سابق "أن أميركا ستستمر في احتكار أنظمة تشغيل الإنترنت وجهازها الرئيسي محافظة على دورها التاريخي في إدخال التعديلات على القاعدة الأساسية للشبكة". وقد بدأت الدول الأوروبية تتوق إلى الاحتكار الذي تمارسه الولايات المتحدة على البنية التحتية للإنترنت، لذا شرعت في دراسة إمكانية إحداث بنى تحتية جديدة تحرر المعلومات من الاحتكار الحصري لواشنطن. وتكمن أهمية التحكم في الإنترنت وتسهيل الوصول إلى بنيتها التحتية في إتاحة فرصة الوصول إلى المعلومات وجعلها أكثر ديمقراطية، مما سينوع في الآراء المطروحة دون الحاجة إلى مهرها بختم الموافقة الأميركي.
وبالنظر إلى أن معظم المعلومات الموجودة في العالم هي معلومات رقمية مخزنة في أجهزة كمبيوتر وكثير منها منشور على الإنترنت، فإن تيسير الوصول إليها من قبل كافة المستخدمين أضحى ضرورة ملحة. وفي هذا الصدد تشير نتائج بحث أجرته جامعة كاليفورنيا إلى أن المعلومات الجديدة التي تضاف كل سنة تعادل في حجمها 37 ألف مكتبة عامة، علما بأن المكتبة الواحدة بهذا المفهوم يساوي حجمها مكتبة الكونجرس الأميركي. كما أن المخزن منها رقمياً يبلغ 90% من إجمالي تلك المعلومات. وهو ما يجعل من قضية التحكم في البنى التحتية للإنترنت جديرة بالعرض على الأمم المتحدة في أفق جعلها أكثر ديمقراطية.