حادثة جسر الأئمة في بغداد التي راح ضحيتها حوالى ألف عراقي بريء، تعكس الواقع العراقي الإثني، وزيف الادعاءات الرسمية التي نفت علاقة الحادثة بالتوتر الطائفي، ولا يمكن تبرير الحادثة "الجحيم" بإقالة وزيري الدفاع والداخلية.
بعض مراسلي وكالات الأنباء نقلوا من المستشفيات إفادات بأن الضحايا ماتوا اختناقاً، وأنه من الممكن حصول تسمم نتيجة غازات أطلقتها بعض الجهات! ولقد تم نشر إحصائيات عن الضحايا من إخواننا الشيعة في العراق منذ مايو 2002 حيث وصل العدد إلى 965 من دون الجرحى. كما تم تبادل الاتهامات بين الأطراف المختلفة حول سبب التدافع على الجسر، حيث اتهم مسؤولان كبيران من الشيعة العراقيين المتشددين الإسلاميين وموالين للرئيس المخلوع صدام حسين بالتسبب بشكل متعمد في التدافع، وحمّل عمار الحكيم أحد قادة "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" الإرهابيين والصداميين المتطرفين مسؤولية ما حدث. بينما قيل: إن متمردين نشروا شائعات بوجود مهاجم انتحاري وسطهم مما أصابهم بالذعر! بينما قال بيان طبي إن بعض الضحايا ماتوا بفعل تناول أطعمة دُسّ فيها السم. كما أن هنالك قذائف هاون وقعت قرب ضريح الإمام الكاظم حسبما أفاد مصدر أمني عراقي. كما حدث تراشق بالنيران، وقامت القوات الأميركية بالردّ على المهاجمين. واتهم مستشار الأمن القومي موفق الربيعي "الصداميين" و"الزرقاويين" بالوقوف وراء الحادث، حيث أطلقوا شائعات أصابت الناس بالذعر مما حدا بهم إلى التدافع والسقوط من على الجسر، ونفى حصول أي انهيار في الجسر.
المشهد الكربلائي على جسر الأئمة لم يأتِ صدفة، ولا يمكن تصديق إشاعة المفجر الانتحاري، ولسوف تثبت الأيام حقيقة الموقف.
إن التنازع حول مسودة الدستور سوف يخلق حراكاً دموياً، قد تكون فاجعة الجسر أوله، يضاف إلى ذلك رغبة إخواننا الشيعة في الانتقام من فلول نظام صدام حسين بعد سنوات القهر والاستعباد التي تعرضوا فيها لأبشع أنواع التعذيب والإقصاء. وكذلك شعور السنّة بوجودهم على الهامش بعد أن كانوا يملكون زمام الأمور ويحكمون الدولة القوية ويُسيّرونها حسب مبادئهم واتجاهاتهم التي فرضها عليهم صدام حسين!
هذه هي حقيقة الموقف التي يحاول العديد من السياسيين والمحللين العرب تجاهلها.. وإلقاء اللوم على الولايات المتحدة وغيرها كلما انتصبت معضلة في وجه جهود الأمن والاستقرار في العراق الجريح.
إشكالية الخلاف بين السنّة والشيعة تظل خامدة أيام الاسترخاء السياسي والعسكري، لكنها تطل برأسها وتكشر عن أنيابها وقت الأزمات والفلتان الأمني. وهنالك من يعتقد أن تأجيج الخلافات بين السنة والشيعة سوف يُخرج الخلاف من الدائرة العراقية ليصل إلى بلدان عربية وإسلامية أخرى قابلة لأن تدعم تلك الإشكالية لاستحقاقات تاريخية واجتماعية. وإذا ما دخلت إيران على الخط، فإن مصير الإشكالية سيكون التفاقم، ولربما وصل الأمر إلى حرب طائفية بين أتباع المذهبين لا يمكن تصور نتائجها.
نحن للأسف لا نقرأ التاريخ جيداً، بل إن مناهجنا التربوية تم تسييسها لتوائم الأوضاع القائمة في كل بلد وتخدم مصالح النظام. كما أن كتب التاريخ أيضاً تم تحريفها وانتقاء المواضع والمواقع التي تخدم كل طرف إسلامي دونما حياد، ودونما موضوعية. ثم جاء الإعلام الحكومي ليسكب الزيت على النار ويخلق رأياً عاماً مزيفاً تجاه كل طرف من الأطراف الإسلامية. وهكذا نشأ جيلٌ من كلا الطرفين يكره الطرف الآخر، ويكيل له الاتهامات بتزوير التاريخ وتحريف الدين.
ثم قامت ممارسات لاأخلاقية بالتفريق بين أبناء البلد الواحد والأمة الإسلامية الواحدة، طبقاً للمذهب والانتماء.. وتم إدخال العبادة -التي من المفروض أن تكون خالصة لله- في الحراك الاجتماعي والسياسي، بل في السلوك الإنساني. من هنا كان لابد وأن يشعر أحد الطرفين بالغِبن تجاه الطرف الآخر المتميز، أو الذي يحظى بقبول سياسي واجتماعي وما يستتبعه من تفضيل إداري ووظيفي. ولقد واجهت بعض دول المنطقة محناً عديدة في هذا الصدد، وتحوّل الأمر إلى اتجاهات عدوانية اقتربت من أعمال التخريب والقتل. وساهمت بعض الأنظمة في إعداد المسرح للفصل الطائفي ما أوقعها في عداوات عديدة مع الأطراف المختلفة. وزاد ذلك من اتساع الهوة بين أبناء البلد الواحد.. حيث تنامى الحقد من قبل المحرومين من نعماء الدولة على هؤلاء الذين يستظلون بفيء النظام وينعمون بكرمه.
ما هو المطلوب إذن لمنع كربلائيات أخرى في المنطقة؟ إذا كان الإعلام الرسمي -كونه يتكتم على الحقائق والمواقف المؤلمة- لم ينجح في رأب الصدع وخلق المجتمع المتماسك، في بعض بلدان المنطقة، عبر أكثر من ثلاثين عاماً، فإن الأمل معقود على الدول بنزع أية إشارة في قوانينها تقترب من الفصل أو التمايز الطائفي. وهذا سيحقق الوحدة الوطنية، وسيوقف أي تجاوب مع ظاهرة الانتماء أو التشدد المذهبي التي لا تفيد أي مجتمع بقدر ما تضره.
إن ما جرى على جسر الأئمة في بغداد يمكنه أن يحدث في بقاع أخرى، وإن اختلفت الوسائل. وحريٌ بالعراقي