لماذا تبدو إدارة بوش الآن كما لو كانت منطلقة بأقصى سرعة نحو مواجهة مع باقي العالم خلال الأيام التي تسبق "القمة العالمية" التي ستعقد في نيويورك الأسبوع القادم؟
والسبب الذي يجعلني أقول ذلك هو أن أول عمل قام به مندوب واشنطن الجديد في الأمم المتحدة السيد "جون بولتون" وهو رجل يتسم سلوكه بالعدوانية أحيانا، هو القيام بتسليم قائمة تتضمن 750 تعديلا يرغب في إدخاله على مسودة إعلان القمة. علما بأن نص هذه المسودة الذي يغطي موضوعات على قدر كبير من الأهمية مثل نزع الأسلحة النووية، وحقوق الإنسان، والإحماء الحراري، ومقاومة الإرهاب، لم يتم التوصل إليه إلا بعد مفاوضات شاقة شارك فيها دبلوماسيون من مختلف أنحاء العالم، واستغرقت عدة شهور.
في رأيي أنه لا تزال هناك فسحة من الوقت للوصول إلى اتفاق بشأن تلك الأجزاء من النص التي يثور حولها الخلاف، غير أن المشكلة في هذا الصدد هي أن هناك دولا أبرزها الدول الأوروبية التي تعتبر من أقوى مؤيدي المسودة الحالية، تخشى أن يؤدي التصلب الأميركي في هذا الشأن إلى توجيه طعنة مميتة لقلب الأمم المتحدة.
ومن المعروف أن الأمم المتحدة تواجه في الوقت الراهن مشكلة خطيرة تتعلق بممارسات خاصة بسوء الإدارة والتلاعب في جهازها البيروقراطي. وهذا الموضوع بالذات يجب حله الآن بأي وسيلة كانت.. غير أن ما يشغلني بصورة أكبر من هذا الموضوع هو علاقة واشنطن المتدهورة مع دول العالم الأخرى.
والرئيس بوش ومساعدوه، يجب أن يبذلوا قصارى جهدهم للتوصل إلى اتفاق مع الدول الأخرى بصدد الموضوعات التي سيشملها إعلان القمة العالمية.. كما سيكون من الأمور المرغوبة أيضا أن يقوم بوش ومعه الأميركيون جميعا بالتفكير مليا في الظروف التي أحاطت بإنشاء الأمم المتحدة، والفوائد العديدة التي حققتها لأميركا خلال الستين عاما الأخيرة.
ففي عام 1945، قام كل من الرئيسين فرانكلين روزفلت وهاري ترومان باتخاذ قرارات تميزت ببعد النظر الاستراتيجي والحكمة العظيمة. ومن بين تلك القرارات كان هناك قراران بالذات تميزا بأهمية فائقة: الأول، عدم العودة إلى الانعزالية التي اتبعتها الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى. والثاني، ممارسة العلاقات الأميركية المستمرة التي تربط أميركا مع العالم من خلال منظمة جديدة تقوم على مبادئ استقلال الدول، والمساواة بينها، والتضامن الإنساني وهي الأمم المتحدة.
وفي الحقيقة أن الأمم المتحدة قد أفادت الولايات المتحدة كثيرا خلال الستين عاما الماضية.
فخلال الحرب الباردة كانت الأمم المتحدة هي التي ساعدت على التفاوض حول موضوع كان يمكن لولا وجودها أن يكون أكثر خطورة ودقة هو موضوع أسلحة الدمار النووي. وبعد سقوط الإمبراطورية السوفيتية ساهمت الأمم المتحدة في تخفيف حدة عدم الاستقرار الذي كان نتيجة محتمة لذلك السقوط. وفي نفس الوقت قامت الأجهزة الاقتصادية المرتبطة بالأمم المتحدة مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، بإقامة وتعزيز نظام السوق العالمي، الذي أفاد الولايات المتحدة بشكل خاص إفادة كبيرة.
يدفعنا ذلك إلى التساؤل: طالما أن الأمر على هذا النحو – خصوصا في الوقت الراهن الذي يتضح فيه وبشكل متزايد أن الولايات المتحدة سواء في قتالها في العراق، أو صراعها مع المتطرفين، تحتاج إلى تعاون دولي أكثر من أي وقت مضى – فما السبب الذي يدفع إدارة بوش ورجلها في الأمم المتحدة إلى التصرف بطريقة تهدد بحدوث أضرار خطيرة تطال علاقات واشنطن مع المنظمة الدولية؟
إن السيد بولتون الذي قام بوش بتعيينه في العطلة الدورية للكونجرس سفيرا لواشنطن في الأمم المتحدة الشهر الماضي، والذي يحاول الالتفاف حول ضرورة الانتظار حتى الحصول على الموافقة اللازمة من مجلس الشيوخ على تعيينه، قد أفزع ممثلي معظم الدول الأخرى في مقر الأمم المتحدة بنيويورك من خلال تلك القائمة الطويلة من التعديلات التي يسعى إلى إدخالها على إعلان القمة العالمية.
من ضمن المسائل التي يريد بولتون تعديلها ما يعرف بقائمة "أهداف التنمية في الألفية" التي تبنتها الأمم المتحدة عام 2000. فحول هذه المسألة كان أحد المتحدثين الرئيسيين باسم بولتون فظا إلى الدرجة التي قام فيها صراحة باتهام مسؤولي الأمم المتحدة بـ"التلاعب بالحقائق" لأنهم ادعوا أن الولايات المتحدة قد قامت سابقا بالتصديق على تلك الأهداف، ولكنها على ما يظهر تريد التراجع عن التزامها السابق.
والنزاع حول هذه المسألة المحورية من مسائل جهود التنمية الدولية، يجسد الخلاف الأعمق بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة تؤمن حقا بأن تحمل المسؤوليات الموجودة في إطار النظام العالمي يجب أن يكون بشكل متبادل بين الدول، وأن يكون قائما على أساس المساواة بين البشر والتضامن الإنساني أم لا. وغالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في الوقت الراهن ترى أنها يجب أن تكون هكذا. ولكن السيد بولتون ورئيسه يختلفان كما هو ظاهر مع تلك الأغلبية.
صحيح أن ا