احتمالات تفكك "التجمع"!
خطا نظام الحكم السوداني بين المؤتمر الوطني (الإنقاذ) والحركة الشعبية (الجنوب) خطوة هذا الأسبوع في تنفيذ الاتفاقية فعين وأعلن أسماء من يمثلون كلا الطرفين في المجلس التشريعي (البرلمان)... وشمل التعيين كذلك ممثلين من الأحزاب الصغيرة الأخرى في الجنوب والشمال ومن هؤلاء في الشمال من ينوبون عن الإخوان المسلمين وعن جماعة أنصار السنة وغيرهم.
وقد تركت بعض مقاعد البرلمان فارغة على أمل أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي يتزعمه السيد محمد عثمان الميرغني قد يقرر المشاركة في الأيام القليلة المقبلة.
وكنت في مقالي السابق قد توقعت أن التجمع الوطني الديمقراطي المعارض أقرب إلى أن يواصل رفض النسبة التي قدمت له (14%) من المقاعد ويفضل أن يبقى معارضا مع حزب الأمة (بقيادة الصادق المهدي) وحزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه الدكتور الترابي، ولكن وضح الآن أن السيد الميرغني يريد لحزبه الاتحادي الديمقراطي أن يشارك في الحكم متخليا بذلك عن التحالف الذي يقوده وهو التجمع الوطني الديمقراطي.
ولم يعد سرا أن شريكي الحكم الرئيسيين يحاولان إغراء السيد محمد عثمان الميرغني بأكثر من وسيلة واحدة أهمها التلويح بأنهما على استعداد للتنازل له ولحزبه عن قدر بسيط عن المقاعد التي تمنحها لهما الاتفاقية. مثال ذلك أن يزاد عدد الوزراء المخصصين له من ثلاثة إلى أربعة وقل كذلك زيادة طفيفة في عدد النواب. وهو عرض أو تلويح بعرض لم يقدم لوفد التجمع الوطني الديمقراطي الذي مكث في الخرطوم لأكثر من شهر كامل يفاوض حول ذات القضايا.
إن هذا التحرك من الشريكين يحقق لهما هدفين: أولهما ضمان مشاركة حزب الأمة والاتحادي في تشكيلة الحكم مما يؤهلهما للقول بأن الحكومة الجديدة فعلا واسعة التمثيل وإن لم تكن قومية تماما. أما الهدف الثاني فهو أن خروج الاتحادي الديمقراطي من الإجماع بالرفض الذي وضح أن أغلبية فصائل التجمع تتمسك به سيعنى أن التجمع ذلك التنظيم الذي يضم أكبر كتلة معارضة سيضعف وقد ينتهي الأمر بحله أو فضه.
إن هذه التوقعات التي تكاد تكون سليمة تماما تدعونا للتفكير في مصير هذا التجمع الوطني الديمقراطي الذي سيذكر، بعد فضه إذا حدث، بأنه كان أكبر تنظيم للمعارضين تشكل أو انتهى بعد نجاح انقلاب الإسلامويين في آخر يونيو 1989 إثر تشاور بين القادة السياسيين الثلاثة وهم معتقلون في سجن كوبر، وهم السيد الصادق المهدي والسيد م. ع. الميرغني والأستاذ محمد إبراهيم نقد الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني، واستمر هذا التنظيم متحدا إلى أن خرج منه السيد المهدي فواصل وجوده حتى الآن وحقق الكثير من دراسة الأزمة السودانية وطرح الحلول لها.
إذا انسحب السيد الميرغني من التجمع فسيبقى مع الشيوعيين داخل التجمع ممثلون لأهل الشرق (البجة) وفيهم من مازالوا يحملون السلاح ضد الحكم المركزي وكذلك ممثلون لأهل دارفور الذين يقاومون الحكم منذ أكثر من عامين. وإذا استطاع هذا التجمع أن يبقى متحدا فإن ذلك سيكون تكتلا معارضا لابد أن يحسب له حساب.
وبعد فإن الوضع في جملته ليس مرضيا وستظل المناورات السياسية والكيد والأنانية الحزبية هي الشاغل الأول لأغلبية القيادات السياسية وهذا من شأنه أن يباعد بين السودان والانتقال إلى ديمقراطية راشدة كما كان الأمل من قبل.