ما هو يا ترى التأثير الذي سيحدثه إعصار "كاترينا" على قدرة إدارة بوش في مواصلة إدارة البلاد بطريقة فعالة خلال السنوات الثلاث المقبلة؟ لا شك أن حجم الكارثة التي ضربت سواحل لويزيانا ومسيسيبي وألباما، بما في ذلك الدمار الهائل الذي طال نيوأورليانز وإخلاؤها من السكان يستدعي من الرئيس وأركان إدارته تكريس أشهر من العمل المتواصل للتمكن من كسب ثقة الشعب الأميركي من جديد ومحو آثار الكارثة من ذهنه. وهو أمر لن يكون سهلا حيث يتعين على الرئيس توظيف مجمل رأسماله السياسي لاسترجاع مكانته التي اهتزت في الآونة الأخيرة نتيجة للإعصار وما رافقه من سوء إدارة الأزمة. وكل ما أتمناه في الوقت الراهن أن يتمكن الرئيس من تسجيل بعض النقاط الإيجابية سواء داخلياً أو خارجياً، وإلا فإن عهدته الرئاسية ستبقى على المحك.
في ولاية بوش الأولى طغت السياسة الخارجية على نحو واضح. فعلى الرغم من أن هجمات 11 سبتمبر وقعت فوق التراب الأميركي، فإن المسؤولين كانوا من الإرهابيين الأجانب الذين أبدوا إصرارهم على إنزال ضرر فادح بالأميركيين. لذا جاء رد بوش سريعاً في شنه حرباً دولية على الإرهاب، أسفرت عن اندلاع الصراع في كل من أفغانستان والعراق، فضلاً عن إنشاء جهاز بيروقراطي مهول سمي بوزارة الأمن الداخلي، التي أُنيطت بها مهمة مواجهة الأخطار المحدقة بالولايات المتحدة المتصلة بالإرهاب والكوارث الطبيعية. وفي أعقاب تلك الهجمات التف الشعب الأميركي حول رئيسه، وأبدى الكونجرس من جهته استعداده لتخصيص الأموال اللازمة من أجل مواجهة خطر الإرهاب. ومع أن كارثة كاترينا كانت بنفس درجة قسوة أحداث 11 سبتمبر، إلا أن التأثير هذه المرة على العملية السياسية في الولايات المتحدة كان أشد وقعاً وأكثر حسماً.
فقد تعرضت إدارة بوش لنقد لاذع عقب كارثة "كاترينا"، لعدم الاستعداد الجيد، والتدبير السيئ الذي واجهت به الحكومة التداعيات الخطرة للأزمة. والمثير للقلق فعلا هو أن الكارثة أعادت إلى الواجهة مرة أخرى النقاش القديم حول وجدود نوعين من أميركا: واحدة غنية وناجحة، وأخرى فقيرة تجاهد للبقاء فوق خط الفقر. وبالنسبة لحالة نيوأورليانز، فإن محنة السود الذين يشكلون غالبية السكان أضافت ضغوطا أخرى على البيئة السياسية المضطربة أصلا. وقد كانت الكارثة كافية كي تعيد إلى الأذهان تلك الصورة السلبية عن الرئيس بوش بشأن مساندته للشركات الكبرى، ومناهضته للمدافعين عن البيئة، وصورته كرئيس لا يهتم كثيراً بشؤون شعبه. وبالرغم من أن موجة الاستياء المرتفعة ضد بوش مآلها الانحسار في نهاية المطاف، إلا أن الإدارة الأميركية ستواصل مواجهة خيارات صعبة في الميادين الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.
وتبرز في هذا السياق ثلاث زلات وقعت فيها الإدارة الأميركية تتمثل الأولى في تواجد معظم أفراد الحرس الوطني التابع للولايات الثلاث الأكثر تضرراً في العراق، ما أثر سلبا على عمليات الإنقاذ. وطبيعي أن يعمق هذا المأزق النقاش حول التواجد العسكري الأميركي في العراق، والزيادة في عدد المجندين للتخفيف من عملية الاعتماد على قوات الاحتياط في الصراعات. وتتمثل الزلة الثانية التي سقطت بها إدارة بوش في العجز الواضح في مواجهة الكارثة، خصوصا إزاء ما تبين من انعدام للاستعداد الجيد. إضافة إلى ما أظهرته الكارثة من خلل كبير في البنى التحتية مستلزمة بذلك تخصيص أموال طائلة لإعادة بنائها، وهو ما سيستنزف الميزانية المخصصة لمشاريع إصلاح التأمين الاجتماعي، والإصلاح الضريبي التي يراهن عليها بوش. أما الخطأ الثالث فيتجسد في الاعتماد المفرط للولايات المتحدة على النفط ما أدى إلى ارتفاع أسعاره في الأسواق العالمية بمجرد حدوث الكارثة وتوقف الإمدادات من خليج المكسيك. ومن المتوقع أن يفتح هذا الارتفاع في الأسعار النقاش مجددا حول تنويع إمدادات النفط الأميركية، وضرورة تطوير مصادر بديلة ومستدامة للطاقة.
ولمواجهة هذه التحديات التي خلفتها كارثة "كاترينا" يتعين اتخاذ قرارات سياسية قوية وإعادة تحديد الأولويات، خصوصا فيما يتعلق بمدى استعداد الأميركيين لدفع المزيد من الأموال في سبيل توفير الأمن سواء في الداخل أو الخارج.