بعد مرور تسعة أشهر على ولاية الرئيس بوش الأولى ودخوله البيت الأبيض كان عليه أن يواجه أحد أخطر الاعتداءات التي تعرضت لها الولايات المتحدة فوق أراضيها متمثلا في الهجمات الرهيبة التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاجون. ولسوء حظ بوش كان عليه أن يواجه أيضا بعد انقضاء تسعة أشهر على ولايته الثانية إحدى أعنف الكوارث الطبيعية التي ضربت الولايات المتحدة في تاريخها. لكن إذا كان الرئيس بوش قد استفاد شخصيا من هجمات 11 سبتمبر، حيث استطاع أن يثبت رئاسته بعد الصعوبات التي واجهها أثناء عملية انتخابه وقراره الدخول في حرب ضمنت له ولاية ثانية، فإنه اليوم، في المقابل، يجد نفسه وجها لوجه أمام الانعكاسات السياسية السلبية التي خلفها إعصار "كاترينا" المدمر. فالخسائر البشرية مرتفعة على ما يبدو، وهي مرشحة للارتفاع أكثر بعد انحسار المياه عن المناطق المنكوبة وانكشاف هول الكارثة. كما أن الحصيلة السياسية لبوش سوف توضع في الميزان بعد العجز الواضح الذي ميز عمليات الإنقاذ والتخطيط. ولئن كان أسامة بن لادن قد ساهم، من حيث لا يدري، في تعزيز موقف بوش ودعم سياساته، فإن الأمر مختلف هذه المرة مع كارثة "كاترينا" التي من المتوقع أن تؤدي إلى إضعاف موقفه السياسي.
وبالطبع ليس للرئيس بوش أي يد في حدوث مثل تلك الكوارث الطبيعية. لكن هل يمكننا فعلا أن نستمر في نعت تلك الكوارث بأنها "طبيعية"؟ فالسياسات الأميركية المتمثلة في رفض التوقيع على بروتوكول كيوتو، وعدم الاكتراث بالمشاكل البيئية مسؤولة إلى حد ما عن انتشار الكوارث الطبيعية. وإذا لم يكن ممكنا تجنب الإعصار، فإن المسؤولين السياسيين كان بإمكانهم على الأقل التقليل من ضحاياه عن طريق اتخاذ التدابير المناسبة والسريعة للوقاية من نتائجه المدمرة. بيد أننا رأينا كيف تأخرت تلك التدابير والصعوبات الكثيرة التي واجهت عملية الإنقاذ بسبب انعدام المعدات الكافية كالمروحيات وغيرها، ما أدى إلى تفاقم الإحباط لدى الناس بعدما انكشفت مظاهر العجز واضحة أمام أعينهم.
وقد تطلب من جورج بوش مرور أربعة أيام بأكملها على وقوع الكارثة لكي يعي حجم الدمار الذي لحق بالولايات الجنوبية ويبدأ في اتخاذ إجراءات الإغاثة، هذا في الوقت الذي كان قد أعلن فيه بنفسه في أحد خطاباته المتلفزة في وقت سابق أن القادة العظماء هم من يتصرفون فوراً ودون إبطاء في أوقات الأزمات والشدائد. وبصرف النظر عن هذا الغياب في مشاعر التعاطف مع الضحايا، خصوصا في المراحل الأولى للكارثة، وهي المشاعر التي عادة ما يلعب عليها بوش لحشد تأييد الجماهير، فإن الأميركيين لن يغفروا له خياراته السياسية التي قادتهم إلى هذا الشر المستطير. وتتمثل سياسات بوش تلك المثيرة للجدل في سياسته الضريبية التي تقوم بالأساس على خفض الضرائب على الفئات الأكثر غنى في المجتمع، والتقليص من النفقات العامة وتأثيرها السلبي على البرامج الاجتماعية التي يستفيد منها الفقراء، بالإضافة إلى الرفع في النفقات العسكرية. وقد نتج عن هذه السياسات نقص كبير في الموارد المالية المخصصة لتعزيز البنى التحتية في المناطق المنكوبة، خاصة فيما يتعلق ببناء السدود والحواجز التي كان بإمكانها حماية نيوأورليانز وتجنيبها الدمار.
وبالرغم من وجود الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ المكلفة بمواجهة الكوارث الطبيعية ووضع الخطط المناسبة للتقليل من آثارها على السكان، إلا أنها فشلت في مباشرة عملها بالكيفية المرغوبة. والغريب أن هذه الوكالة حسب ما جاء في إحدى صحف ولاية لويزيانا قامت سنة 2002 بالتدرب على سيناريو مشابه لما حدث في إعصار "كاترينا"، ومع ذلك كان أداؤها أثناء الكارثة ضعيفا وغير مقبول بالمرة. فقد بقي الضحايا والسكان خلال الساعات الأولى من الإعصار عالقين في المياه المرتفعة دون اهتمام من أحد، ودون خطوات ملموسة لتقديم العون لهم، بل حتى أفراد الإنقاذ الذين يفترض وجودهم في المناطق المتضررة لانتشال الضحايا وإخلاء السكان كان 40% منهم في العراق. وقد أدى غياب أفراد الجيش إلى انتشار أعمال السلب والنهب على نطاق واسع، خصوصا في ظل الإحباط والتذمر اللذين سادا بين الأهالي.
وأمام وقع الكارثة وحجم الدمار الذي خلفته برزت إلى السطح أسئلة مهمة من قبيل: كيف يمكن إرسال 150 ألف جندي إلى العراق، في حين فشلت السلطات في إخلاء 200 ألف شخص في لويزيانا؟ وكيف يمكن إنفاق أموال هائلة تقدر بحوالى 600 مليار دولار سنويا على الأمن الخارجي في حين يرفض الكونجرس تخصيص بضعة ملايين من الدولارات لبناء المزيد من الحواجز والسدود المانعة للفيضانات؟ وكيف يمكن للأميركيين أن يتعايشوا مع هذه الهوة السحيقة التي تفصل بين قوتهم الفائقة في الخارج وضعفهم المقيم في الداخل؟ ثم من كان منا يتصور أن تحتاج الولايات المتحدة في يوم من الأيام إلى المساعدات الإنسانية الدولية؟ إن ذلك يعتبر بلا شك أمراً مهيناً بالنسبة لأكبر قوة في العالم. وحتى في الماضي فقد كان إهمال الجانب الاجتماعي سبباً رئيسياً لخسار