لا يخفى على الكثيرين مدى الاهتمام بدور معلمي المدارس في الدول التي تحتل مكانة متقدمة في معدلات التنمية البشرية والإنسانية، وذلك لحجم الدور الذي يقوم به من أجل تهيئة الطلاب والمساهمة في إعدادهم للقيام بدورهم في بناء مجتمعاتهم. وبما أننا في دولة الإمارات لا زلنا في بداية العام الدراسي – لم يكمل أسبوعه الثاني بعد- فإنه من الطبيعي أن ينصب تركيز وسائل الإعلام في الدولة على الاستعدادات التي قامت بها وزارة التربية والتعليم والشباب من أجل توفير الجو المناسب الذي يسهم في إنجاح العملية التعليمية. وأفردت وسائل الإعلام المحلية، بكافة أشكالها، مساحات واسعة لتغطية تلك الاستعدادات، حتى باتت تمثل القضية اليومية التي تسيطر على نقاشات فئات المجتمع كافة.
واللافت أن أغلب تلك التغطيات الإعلامية - إن لم تكن كلها- تركزت على الاستعدادات المادية من بيئة تعليمية متمثلة في صيانة المباني المدرسية وتغيير المكيفات وتوفير الكتب، وحول إدخال تعديلات في المنهج التعليمي وإصلاح الأساليب التعليمية وتوفير الأجهزة والوسائل المساعدة إضافة إلى تركيزها على التعيينات الجديدة للمدرسين والهيئات الإدارية. وربما ودون قصد، "سقط سهوا" في تلك النقاشات، محرك ومحور العملية التعليمية برمتها، أي المدرس، فقد اختفى بشكل لافت الحديث عن ضرورة تطوير قدرات المعلمين، حتى اعتقد البعض أنه لا يحتاج إلى أي تدريب، أو أنه غير مهم في المنظومة التعليمية.
المعروف أن المنظومة التعليمية في أي مكان في العالم تقوم على أربعة ركائز أساسية، وهي المعلم (المدرس) والطلاب والمنهج التعليمي والمباني المدرسية، والبعض يضيف إلى تلك المنظومة الإدارة المدرسية وأيضا البيت. وبهذا الشكل تكون المنظومة متكاملة، وبالتالي يكون أي خلل في واحدة منها يصيب البقية بخلل، وبالتالي يؤثر على العملية التعليمية كاملة. من هنا، يكون التركيز على الاستعدادات المادية دون الالتفات إلى المعلم، ناقصاً وغير مكتمل. فتقوية المعلم لها أهمية كبيرة لكي تنجح العملية التعليمية، كما يريدها مخططوها في الدولة.
بل إن الكثيرين يبالغون بالقول إن المعلم الجيد هو العنصر الأهم في العملية التعليمية لو حظي بقدر كافٍ من التدريب والتأهيل، ووُضعت له الخطط من أجل الارتقاء بمستواه وقدراته التدريسية.
فالمعلم الجيد – بجانب اكتمال باقي منظومة التعليم– هو الذي يستطيع أن يقدم تعليماً يحقق طموحات الدولة، وعلى هذا الأساس يكون غير كافٍ القيام بتعيين مدرسين جدد دون وضع برامج تأهيلية تسبق بدء عملهم في واحد من أخطر وأهم مجالات العمل، وخصوصا في المراحل التعليمية الأولى التي نستهين بها كثيراً. فأحد تحديات العملية التعليمية في الوقت الحاضر، ليس في كيفية نقل المعلومة من الكراس إلى ذهن الطالب، بل في كيفية خلق جيل من المعلمين يستطيع التعامل مع الواقع العملي ومعالجة المشكلات الصفية التي يمكن أن يواجهها المعلم وكذلك تنمية مهاراته في معرفة طرق التعامل مع الفروقات الفردية للطلبة.
وبلا شك فإن الجهود التي بُذلت استعداداً لعام دراسي جيد من شأنها التأثير إيجاباً على العملية التعليمية، ولكني، أزعم بأنه لا يمكن إغفال دور المعلم، فهو المحفز الرئيسي لكل هذه المنظومة وهو العنصر الأهم في إنجاح العام الدراسي ومواجهة أي عراقيل أو تحديات سواء في المنهج أو في البيئة التعليمية بل إن الاهتمام به معنوياً سيعمل على تجاوز حتى العراقيل العصية على الحل المتعلقة بالرضا الوظيفي، هذا إذا ما استطعنا من خلال الاستعدادات خلق حافزية ورغبة لدى المعلم لمواجهة التحديات.
لا يمكن بأي حال من الأحوال التقليل من أهمية الاستعدادات المادية، إلا أن تهيئة المعلم وإعداده جيدا بل والاهتمام به باعتباره "مهندس" العملية التعليمية سيشكل قاعدة قوية مستقبلاً. وهذا يدفعنا إلى المطالبة بخلق بيئة تجعل من هذه المهنة جاذبة للمواطن، وأكاد أجزم أن الاهتمام بتطوير قدرات المعلم وأدائه هي خطوة أساسية نحو التغيرات المأمولة.