بلغت الأمم المتحدة، التي هي المنظمة الجامعة لمختلف دول العالم، 60 عاما من العمر، بما يعني أن أعراض الزمن وعوامل التعرية السياسية التي شهدها العالم على مدى العقود الماضية، ظهرت عليها وتركت آثارا واضحة لا مجال لإخفائها·
والأعوام القليلة الماضية تحديدا، بما اعتمل خلالها من تطورات وتفاعلات سياسية مكثفة انطوت على تحولات عميقة في الساحة الدولية، ربما كان لها أبلغ الاثر على المنظمة الدولية· وقد حتمت تلك التطورات مع تغير الوضع العالمي برمته ضرورة إدخال إصلاحات في هيكل المنظمة، بما يساعد الأمم المتحدة في القيام بدور فعال·
لقد وقعت العديد من الحروب وارتكبت الكثير من المجازر في حق البشرية بأماكن كثيرة من افريقيا حتى أوروبا نفسها (البوسنة والهرسك) خلال السنوات الماضية· وللأسف لم تتمكن الامم المتحدة من الاضطلاع بالدور المناط بها·
والسبب كان·· الخلل الهيكلي الذي تعاني منه ويحول دون زيادة قدرتها على الحركة بسرعة وفعالية·
صحيح ان المنظمة تعكس بالأساس موازين القوى في العالم وطبيعة العلاقات الدولية بين الكبار والصغار، إلا أن ثمة شروط وقواعد لابد من استيفائها لضمان أمن واستقرار العالم في كل وقت وحين·
ولا يصح ولا ينبغي أبدا أن تكون المنظمة الدولية صورة للخلل الدولي القائم أو انعكاسا له· لان مهمتها الاساسية مواجهة ومعالجة تجليات هذا الخلل إن وجد أو استحكم·
لذلك الاصلاح ضروري وبكل السبل، اذا ما كان لنا ان نحلم بعالم آمن ومستقر وقادر على نزع فتيل النزاعات او الحد منها أو الحيلولة دون استمرارها· أما بقاء الاوضاع على ما هي عليه، فلن يعني سوى مزيد من المعاناة لأعداد كبيرة من البشر ربما تنضم لطوابير طويلة سابقة من الضحايا الابرياء في دول مثل بوروندي والكونجو والبوسنة·
في الوقت نفسه قد يعني استمرار الوضع الحالي بقاء مخاطر من نوع الفقر والمجاعات والامراض القاتلة·· فهذه كلها أعراض لمدى ما يعتري النظام العالمي من وهن وخلل واعوجاج·· ولما كانت الامم المتحدة هي التجسيد الأمثل والأوفى لفكرة المجتمع الدولي بفقرائه وأغنيائه، أقويائه وضعافه، فانه لا مفر من توقع تفاقم أو تفجر بؤر معاناة بشرية هنا أو هناك في ظل ما هو قائم·
لقد اتفق زعماء العالم في عام 2000 على ما أسموه ''أهداف الالفية'' من أجل مستقبل افضل للبشرية، الا أن خبرة السنوات الخمس تشير الى أنه ما زال ثمة مشوار طويل يتعين السير فيه وجهد كبير ينبغي بذله لوضع تلك الاهداف موضع التنفيذ·
ان مستقبل البشرية يحتاج الى كثير من التواضع، قليل من العناد·· فعالم اليوم ليس هو عالم أواخر النصف الاول من القرن الماضي· طبعا لا يعني ذلك أن الزمن تجاوز الأمم المتحدة، إنما يعني الأمر انه لا بد من إعادة نظر، لأنه على الأقل لا يصح أن تستثنى الامم المتحدة من موجة الاصلاح التي تهب على الامم نفسها في مشارق الارض ومغاربها·