تحاشت إيران اندلاع أزمة دولية في نوفمبر 2003 عندما وافقت على تعليق أنشطتها التي يمكن أن تمنحها يوما ما القدرة على إنتاج مواد نووية تستخدم في صناعة الأسلحة. وقد اكتشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران كانت طيلة 18 سنة المنصرمة تواصل أنشطتها النووية في خرق واضح لالتزاماتها الدولية. وبالطبع لم يتح للمفتشين الدوليين التأكد مما إذا كانت تلك الأنشطة تنحصر في الأغراض السلمية، أم تتعدى ذلك. ولأن إيران قامت بتعليق أنشطتها الحساسة، فقد وافق مجلس الوكالة على عدم عرض الملف الإيراني على مجلس الأمن بالأمم المتحدة. وقد فُهم هذا التصرف على أنه اتفاق بين الطرفين تعهدت بموجبه إيران، ولو ضمناً، بتعليق أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، مقابل عدم إبلاغ مجلس الأمن بالخروقات السابقة.
بالإضافة إلى ذلك اتفقت إيران مع كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا في شهر نوفمبر الماضي على مواصلة تعليقها لأنشطتها النووية بما في ذلك "كافة الاختبارات والأنشطة المتعلقة بتحويل اليورانيوم في المنشآت النووية". كما أقرت إيران كذلك أهمية "مواصلة تعليق أنشطتها أثناء المفاوضات". بيد أن إيران فاجأت العالم في الشهر الماضي عندما أعلنت استئناف أنشطة تحويل اليورانيوم في أصفهان قبل يوم واحد فقط من تقديم الترويكا الأوروبية لعرضها حول التعاون الاقتصادي مقابل تخلي طهران النهائي عن برنامجها النووي. ونتيجة لذلك سيجتمع مجلس أمناء الوكالة يوم الإثنين المقبل لتقرير كيفية الرد المناسب. غير أنه لحد الآن لا يوجد إجماع أو حتى أغلبية تتفق مع واشنطن وبرلين ولندن وباريس على ضرورة إحالة الموضوع الإيراني إلى مجلس الأمن. فإيران لم تدخر وسعا لممارسة ضغوط حادة على باقي أعضاء مجلس أمناء الوكالة من الدول النامية. وبالرغم من أن القانون المنظم للوكالة الدولية للطاقة الذرية ينص بشكل صريح على ضرورة إحالة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، إلا أن أعضاء المجلس مازالوا مترددين إزاء اتخاذ مثل هذه الخطوة خشية أن يتكرر السيناريو الذي أدى إلى الحرب في العراق.
والجدير بالذكر أنه لا يوجد في قانون الوكالة ما يحدد مهلة يصبح بعدها عدم الالتزام أمرا ساري المفعول. لذا تعتبر إيران مسؤولة عن أنشطتها النووية السابقة حتى قبل الوصول إلى اتفاق مع الترويكا الأوروبية. والآن مع استئناف إيران لعمليات تحويل اليورانيوم لم يبق أمام الدول الأوروبية الثلاث أي مبرر لعدم إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن. ومن نافلة القول أن فشل مجلس أمناء الوكالة في اتخاذ الخطوات الحاسمة لردع إيران، سوف يضعف كثيرا من دور الوكالة في الحد من انتشار الأسلحة النووية في العالم. كما سيظهر العالم وكأنه عاجز عن متابعة الدول التي تخل بالتزاماتها، وهو ما سيشجع باقي الدول على السعي لاكتساب الأسلحة النووية. والمعروف أن الغرض من عرض الملف الإيراني على مجلس الأمن ليس إنزال العقوبات بطهران، ولكن لممارسة المزيد من الضغوط عليها لتوفر كافة المعلومات اللازمة وتبدد الغموض الذي يلف برنامجها النووي.
وبالرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تكف يوما عن مطالبة طهران بالكشف عن برنامجها حتى بعد افتضاح أمرها، إلا أنها مازالت تصر على عدم تعاونها مع الوكالة، وترفض مدها بالمعلومات اللازمة. فإيران لم تعطِ تفسيرا معقولا عن سبب قيام قادتها سنة 1985 في عز حربها ضد العراق بالشروع في برنامجها لتخصيب اليورانيوم. كما أن المفتشين مازالوا غير قادرين على تحديد مصدر جزئيات اليورانيوم المخصب في إيران، علاوة على عدم قدرتهم تفسير وجود آلات نابذة متطورة منذ 1995 وبأنها لم تستعمل منذ ذلك الوقت إلى غاية 2002. لذا أعتقد أن الوقت قد حان كي تنهض الوكالة الدولية للطاقة الذرية بدورها وتستمد سلطتها من مجلس الأمن كي تخضع المنشآت النووية الإيرانية للمراقبة الدولية.
بيير جولدشميت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نائب المدير العام السابق لوكالة الطاقة الذرية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع "نيويورك تايمز"