قمة العام 2005 العالمية المنعقدة الآن في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، هي أكبر تجمع للقادة والرؤساء تشهده المنظمة الدولية في عمرها الذي بلغ ستين عاماً. وهي أخطر القمم الدولية - منذ أن جرى الاتفاق على عقدها مطلع القرن الحادي والعشرين- حيث تركزت آمال الشعوب والأمم، التي كانت وما تزال تأمل أن يكون هذا القرن هو القرن الذي يتحقق فيه الطموح الإنساني المشروع بأن يسود السلام العالم، وأن يتقلص الفقر، وأن تجد البشرية علاجاً ودواءً شافياً للأوبئة والأمراض التي تفتك بملايين الناس كالملاريا والإيدز. وأن تتطور المنظمة الدولية لتصبح كفؤة للمهمات والبرامج الطموحة التي يناط بها تنفيذها.
والقمة العالمية التي تنعقد وسط أجواء أزمة خانقة تحيط بقيادة المنظمة الدولية، هي قمة الرجاء والأمل، وهي بتعبير الأمين العام كوفي عنان "فرصة نادرة تتاح لهذا الجيل أن يجتمع قادة العالم تحت سقف الأمم المتحدة ليتخذوا قرارات شجاعة وحاسمة من أجل عالمنا الذي يواجه تهديدات محزنة تحتاج مواجهتها إلى حلول شجاعة".
وأول القرارات الشجاعة المطلوبة من قمة العالم هذه، أن يتخذ القادة قراراً مدعوماً بتأييد واضح حول قضية إصلاح أجهزة الأمم المتحدة، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، بحيث يأتي القرار متسقاً ومتناسقاً مع التوصيات الواردة في تقرير الأمانة العامة المرفوع لهذه القمة. وهو قرار أمامه صعوبات ومشاكل، ليس أقلها شأناً موقف الولايات المتحدة من التقرير الذي أدخل عليه مندوبها في الأمم المتحدة تعديلات، تجاوزت في عدد صفحاتها عدد صفحات التقرير الأصلي!
وإذا لم تنجح المحاولات الدبلوماسية الدولية المحمومة الجارية الآن بهدف الوصول إلى حل توفيقي بين الموقف الأميركي والتقرير الأصلي، فإن المنظمة ستواجه حقاً أزمة خطيرة تهدد بعرقلة كل محاولات الإصلاح وستقود حتماً إلى تجميد الأوضاع على ما هي عليه، برغم أن قضية الإصلاح والتطوير تحظى بموافقة الغالبية العظمى من الدول الأعضاء. والأمم المتحدة ليست هي الأمانة العامة، وليست هي منبر الحديث السياسي "مجلس الأمن" كما يحلو لأعدائها أن يقللوا من شأنها.
دور الأمم المتحدة يتجسد في وكالاتها العالمية المتخصصة في شتى ميادين الحياة، وليس في مقدور العالم اليوم الاستغناء عن الخدمات التي تقدمها هذه الوكالات للبشرية، ومن هذه الوكالات: هيئة الصحة العالمية وهيئة الزراعة والأغذية و"اليونيسكو" و"اليونيسيف" وقوات حفظ السلام الدولية ومحكمة العدل، والمحكمة الجنائية الدولية... إلخ.
ففي هذا العالم، الذي تداخلت فيه المصالح وتشابكت، والذي صار أصغر جزء فيه يؤثر على بقية الأجزاء، حتى تلك التي توصف بالعظمى والكبرى، لم يعد هنالك بديل للتعاون الدولي في مواجهة تحديات الطبيعة وآفات البشر سوى المنظمة الدولية، التي كان ميلادها نتيجة لما قاساه العالم من ويلات الحرب الكونية الثانية، التي أشعلتها النازية الألمانية والتي لم يتحقق النصر عليها وهزيمتها إلا بتضامن دول العالم وشعوبه الديمقراطية وصموها في وجه الهجمة الفاشية- النازية.
ومنظمة الأمم المتحدة هي الهيئة الدولية التي ظلت تقود - بحكم ميثاقها وتكوينها- هذا التعاون الدولي على مدار السنوات الستين من عمرها. وعلى الرغم من كل ما حدث ويحدث من نقد للأمم المتحدة، فإن سجلها وإنجازاتها العديدة جعلت لها هذه المكانة في قلوب وعقول سكان المعمورة، لذلك فالناس يتطلعون لهذه القمة العالمية كي تكون بداية لمرحلة قادمة، يسودها السلم والأمن والتقدم لجميع الشعوب والأمم.